بعد سقوط النظام البائد في العراق، ظهرت قنوات فضائية كثيرة وصحف يومية وأسبوعية وحتى شهرية، منها ما استمر ومنها ما توقّف. تعتبر فضائية «الفيحاء» من بين القنوات العراقية التي بدأت مباشرة بعد السقوط وحققت نجاحًا كبيرًا بين الأوساط العراقية، بل كوّنت لها قاعدة جماهيرية، كونها تمثِّل صوت الشعب الحقيقي ونبض الشارع العراقي. لمناسبة زيارة رئيسها محمد الطائي الكويت، التقته «الجريدة» وكان الحوار التالي. ما جديد {الفيحاء}؟
مسلسل «صداميات»، يتكوّن من 15 حلقة ويتناول شخصية الطاغية صدام حسين وأفعاله بشكل كوميدي ساخر. لا يطرح أفكارًا سياسية إنما «قفشات» تسخر من تلك الشخصية، باعتباره دكتاتورًا ومجرمًا، وهي رسالة إلى الأشخاص الذين ما زالوا يعشقونه على الرغم من أفعاله السيئة تجاه الشعب ودول المنطقة. مقدمة المسلسل عبارة عن فيديو كليب كُتب بكلمات وألحان عراقية، وشارك فيه ممثلون عراقيون حتى شخصية صدام جسّدها ممثل عراقي.
ثمة من يتهم «الفيحاء» بأنها تعمل ضد صدام وجرائمه وأعوانه، مع أنه شُنق وانتهى الأمر، ماذا تقول لهؤلاء؟
أقول لهم نحن لم نزل في البداية، ولم نظهر شيئًا من جرائم ذلك الدكتاتور، إلا البسيط منها. ثمة قنوات أوروبية، مثل الـ «بي بي سي»، ما زالت تنتج برامج عن هتلر. نحن بصدد التحضير لمسلسل آخر حول «المهجرين» الذين هجِّروا قسرًا من العراق على أيدي ذلك النظام القمعي، كتبت شخصيًّا السيناريو.
هذا الوجع العراقي المتمثل بأكثر من 300 مقبرة جماعية، وباستخدام الأسلحة الكيماوية والمحرمة دوليًّا ضد الشعب، والقنابل العنقودية والحارقة ضد أهالي الأهوار وغيرها من جرائم صدام البشعة كدخوله الكويت وحربه مع إيران، ذلك كله لا يمكن أن ننساه لمجرد أنه أُعدم، لذا أدعو الكتّاب في الخليج ليكتبوا عن هذا الموضوع، مع إني أستبعد ذلك، إلا في الكويت لأنها ذاقت الجرح كالشعب العراقي، وأنتج فنانوها بعض المسرحيات وأشكرهم جزيل الشكر، كذلك أدعو الكتاب العراقيين ليكتبوا المسلسلات والمسرحيات والأفلام ونحن في «الفيحاء» على استعداد لإنتاجها بعد دراستها. كيف ينسى الطفل الذي لا يتعدى الثامنة أو التاسعة من عمره مشهد إعدام والده أو والدته أمام ناظريه، هذا حدث كثيرًا في كل محافظات العراق من دون إستثناء.
يُحكى عن حرب خفيّة بين «الفيحاء» و{الجزيرة»، ماذا تقول؟
ليست حرب «الفيحاء» ضد «الجزيرة» فحسب، بل ضد أي قناة عراقية أوعربية أو أجنبية، وضد أي مراسل لأية وكالة أجنبية، عندما يفبرك الحدث ويعمد إلى تأويله ولا يفسره. نحن ضد من يعملون وفق أجندة قنواتهم وليس وفق أجندة الواقع الذي ينقل منه المراسل الحدث، للأسف تحرض «الجزيرة» على الفتنة الطائفية والقومية داخل العراق، و{الفيحاء» منذ انطلاقتها أخذت على عاتقها التصدّي لكل وسائل الإعلام المغرضة والمسيئة الى العراق والعراقيين، وهي تتعاون مع وسائل الإعلام المنفتحة على الشعب العراقي، سواء كانت رسمية أو غير رسمية.
أعتقد الآن أن الفكرة وصلت الى بعض هؤلاء بأن الشعب العراقي انتخب حكومة وبرلماناً وكتب دستوره بيده، وهذا الكلام أقصد به جميع وسائل إعلام الدول المجاورة حتى الكويت، للأسف أقرأ بعض المقالات لبعض الكتاب، أستشف منها حبًّا أو عشقًا للدكتاتور ولكن بشكل مبطّن، مع أن الكويت كان يحتلها صدام كما احتل الشعب العراقي بأمنه الخاص وبجيش الحرس الجمهوري وممارسات جنوده وأزلامه التي كانت ممارسات محتلّ يقتل ويذبح بشكل آني من دون محاكمة. لذا على وسائل الإعلام تلك التي أعنيها، أن تكف عن ذلك، خصوصا أن العراقيين تغيروا وأصبحت لديهم قناعات جديدة وباتوا يحللون بشكل أوضح من السابق.
لماذا تُتهم «الفيحاء» بالطائفية؟
تلك ضريبة كبيرة تدفعها «الفيحاء» نظير مواقفها التي تحدَّثنا عنها سابقًا، فالضريبة المالية كانت باهضة الثمن عندما ضغطوا علينا وانتقلنا من دبي الى السليمانية في شمال العراق، تكلفنا أموالا باهظة، كوننا أسسنا محطة أخرى جديدة بالمعدات والأجهزة والمواد وحتى الكوادر، ما شكل ضرراً كبيراً ليس لموظفي «الفيحاء» فحسب، بل لملايين العراقيين الذين تشكِّل تلك القناة الصوت الحقيقي والصادق بالنسبة إليهم.
أما اتهامها بالطائفية، فأقول إنها ضد الإرهاب، وهي القناة الوحيدة التي انطلقت في هذه الحرب وما زالت مستمرة، هناك بعض القنوات العراقية بدأت معها بالإتجاه نفسه لكنها توقفت، فبقيت «الفيحاء» مستمرة في حربها ضد الإرهاب في كل مكان وليس في العراق فحسب، للأسف في أماكن أخرى يسمى مقاومة وغيرها، لذا لا توجد طريقة أخرى لدى «الفيحاء» لمحاربته، وهذا ما جعل من يبرر الإرهاب أو يساعده أو يأويه يتهمها بالطائفية، والآن بعدما اكتووا بناره قالوا إن «الفيحاء» تغيرت كثيرا، وأقول لا لم تتغير بل هم لا يريدون الاعتراف بأنهم كانوا مع الإرهاب.
ليس لدينا طائفية، والدليل على ذلك شبكة المراسلين الموجودين في كل محافظات العراق كالموصل وديالى وصلاح الدين ودهوك وغيرها. المجال مفتوح أمام الجميع ليتحدثوا عبر شاشتنا ما عدا الإرهابيين بالطبع. لذلك نجد أن حضور «الفيحاء» وتأثيرها في أوساط العراقيين كبيران جدا، هذا ليس تزلّفًا وإنما لا يوجد منافس لها في موضوع الرأي والتعبيرعن الشارع. هي الأولى في صنع الرأي في الشارع العراقي.
ما الخطوات الجديدة لـ{الفيحاء» بعد انتقالها الى السليمانية؟
أُنشئت قناة أخرى بالإسم نفسه في لندن وحصلنا على الإجازة من السلطات البريطانية، ولدينا قمر صناعي وبدأنا نبث ونسجل بعض البرامج هناك، نظراً إلى مساحة الحرية الكبيرة في بريطانيا، إضافة الى وجود كثر من العراقيين الذين يحملون أفكارًا من جميع الأطياف. كذلك لدينا النية في توسيع مكاتبنا في الدول العربية، لكنهم للأسف يتعاملون بحذر شديد معنا في حين أنهم يمنحون «الجزيرة» الموافقة لفتح مكاتبها في أرجاء الوطن العربي كافة، مع أنها تحرّض على الفتنة.
في الكويت لا يسمحون لنا بذلك مع أننا لا نريد رخصة بث وإنما رخصة إنتاج خاص بنا لننتج ونصوّر برامجنا. ينتظر الشعب العراقي الآن عودة العرب إلى العراق لا أن ينظروا بعين المتفرج ويتركوه للتدخل الإيراني وبعض الدول، نتمنى أن يساعدوه بشكل إيجابي مثلما فعلوا في لبنان.
هل تعتقد أن سبب ذلك، مثلما يردّد بعض وسائل الإعلام، كون الحكومة العراقية شيعية؟
لا أرى أن الحكومة العراقية شيعية، فهي تمثل الغالبية، تبيِّن الإحصائيات التي أجريت في عهد صدام أن 69% من العراقيين شيعة، في الإنتخابات فازت هذه الحكومة التي تمثل الغالبية، لا أنكر أن هناك محاصصة سياسية أثرت في تقديم الخدمات للعراقيين كافة، لكن الحكومة ليست شيعية، وعندما يزور المالكي مناطق ليست شيعية هل يكون ذلك باعتباره شيعيا أم أنه عراقي يمثل رئيس وزراء العراق!! وهو يعلم جيدا أنه موظف في الدولة العراقية، وتنتهي مدته مع دورة الإنتخابات الجديدة، ويعمل في تلك الوظيفة كونه انتُخب من قبل الشعب ويبقى عراقياً وليس شيعياً.
ماذا تقول للكويتيين؟
أرى أن الشعب الكويتي هو الأقرب في التفكير والتفسير إلى ما يجري في العراق الآن، ويتفهم الحالة التي يمر بها الشعب العراقي، لذا أكرر وأقول إن قلوب العراقيين وأيديهم مفتوحة لإخوتهم في الكويت، أعلم أن هنالك مطالب كويتية كالديون والحدود والتعويضات تحتاج الى العقلاء للتحدث والنقاش فيها، والابتعاد عن التشدد والاعتداد بالرأي، فالكويتيون يفهمون العراقيين أكثر من غيرهم نظرا الى الحالة التي مروا بها على أيدي النظام المقبور. لدينا الآن الكثير من الاستثمارات التي دخلت العراق من الإمارات ودول عربية أخرى وما زالت الكويت تنتظر، لا أنكر أنهم يحتاجون إلى تطمينات وهذا دور عراقي بحت، لكن ننتظر أن يبادروا بالخطوة الأولى. تعيش البصرة الآن حالة من الإستقرار والأمن تماما، فلماذا لا نجد استثمارات كويتية فيها، فهم الأقرب والأولى بذلك، لذا أعتقد أن الإقتصاد سيكسر هذا الحاجز النفسي بين الطرفين ويرمّم ذلك الشرخ.
أود أن أذكِّرهم بأن الكثير من العراقيين أثناء اجتياح القوات الصدامية للكويت وقفوا مع الكويتيين، وأنا أحد الأشخاص الذين يحملون شهادة موقعة من سفارة الكويت في دمشق كوني ساهمت بتحرير الكويت، أفتخر بذلك لإني فعلت هذا عن قناعة تامة، ولأني أعلم أن صدام مجرم، وما حدث كان جريمة كبرى في حق الكويت والشعب الكويتي، وأن معظم الشعب العراقي مع الكويت، ربما يستمعون الى تصريح هنا وهناك من البعض عكس ذلك، أقول للكويتيين إن هؤلاء صدّاميون يريدون أن يعود الماضي ليس في الكويت فحسب، إنما في العراق ايضا... لكن هيهات.