ما تترقع!
هذا الخميس قد نكون على موعد مفصلي جديد في تاريخنا السياسي بتقديم النائب أحمد المليفي استجوابه لسمو رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد، وهو الاستجواب الثاني الذي يقدم للمحمد بعد أزمة الدوائر الانتخابية، إذ كان المليفي أحد مقدمي الاستجواب آنذاك مع النائبين أحمد السعدون وفيصل المسلم.هذا الخميس، قد يكون مجلس الأمة مزدحماً على غير عادته بالصحافيين والمصورين من كل حدب وصوب، فسترى مراسلاً يمثل مجلة المزارع- كما لفت انتباهي إلى ذلك الزميل سعد العجمي الأسبوع الماضي- والمعلم ومجلة ديوان الخدمة المدنية، معظمهم يأتون بدافع «اللقافة» أكثر منه لتغطية أخبار لمجلاتهم وصحفهم. وقد نرى سلسلة الصور الشهيرة التي ترافق كل استجواب المتمثلة بالمليفي متوجهاً لمكتب الأمين العام علام الكندري وبيده ملف يحمل نسخة من الاستجواب، ثم الصورة الأشهر بين المليفي والكندري وكأنهما «يتهاوشان» على ورقة، فترى كلا منهما ممسكاً بطرف منها مع بعض الصحافيين- للأسف بعضهم «مخضرمون»- يظهرون في الصورة بابتسامة «شقاقية».
أقول «قد» لأن ما كشفه الأسبوع الماضي من معلومات تداولتها الصحافة ويتداولها النواب بين بعضهم بعضا يشير إلى إمكان تراجع المليفي عن الاستجواب مقابل خطوات حكومية تنزع فتيل الأزمة، بعد أن بات في حكم المؤكد أن يؤدي تقديم الاستجواب إلى حل مجلس الأمة، إذ لم يعد صعود رئيس مجلس الوزراء إلى منصة الاستجواب خيارا مطروحا على الساحة، بل نقل بعض النواب أن اجتماعهم مع سمو الأمير حمل انطباعاً بأن الحل هذه المرة قد يكون «مختلفا» عن كل سابقاته. ويذهب بعض المتابعين للساحة السياسية إلى أبعد من ذلك، إذ يدور في أروقة مجلس الأمة همس خفيف حول إمكان الحل غير الدستوري وتعيين رئيس وزراء جديد يتمثل في شخصية معروفة كانت قد اشترطت لمشاركتها بالحكومة عدم وجود المجلس، ورغم استبعادي لهذا الأمر فإنني لا أستبعد تراجع المليفي... «ويا دار ما دخلك شر». تراجع المليفي مقابل إزالة الأسماء التي أبدى اعتراضه عليها في كشوف التجنيس، وتلافي ملاحظات ديوان المحاسبة حول مصروفات ديوان رئيس الوزراء، والأخذ بتوصياته والتعهد بتطبيق القوانين الرياضية قبل تعديلها، منطقياً، لن يكون كافياً. فالمليفي وضع نفسه في موقع يصعب التراجع عنه بعد أن وصف رئيس الوزراء بأنه غير قادر على إدارة البلاد، وهذا الادعاء من الصعب أن «يترقع»، فما الذي تستطيع الحكومة تقديمه لتثبت للمليفي انتفاء الحاجة للمحور الثاني من الاستجواب؟ فهذا المحور يستند على شخصية المحمد وقدرته على الإدارة التي شكلت قناعة لدى المليفي بعدم جدوى بقائه في منصبه، وهو محور صعب التراجع عنه، ولا شك أن هناك العديد من الأسئلة التي تدور في ذهن المليفي وأذهان العديد من الناس حول هذا الموضوع... فما الذي تستطيع الحكومة أن تفعله لتطمئن المليفي وغيره حول قدرة المحمد على الإدارة؟إن أهم ما قد يمثله تراجع المليفي هو الضربة الجديدة التي سيوجهها هذا التراجع لعملية التطور السياسي في البلاد، وهو أمر سبق أن أشرنا إليه في مقال سابق، فاستجواب رئيس الوزراء وإن كان البعض يراه أمرا كبيرا، إلا أن علينا ألا نغفل أنه إحدى أدوات المحاسبة في الدستور الذي للأسف لم يطبق كله... والاعتقاد السائد بأننا بعدم قبولنا صعود رئيس الوزراء على منصة الاستجواب «نحمي النظام الديمقراطي» فهذا أمر بعيد جداً عن الواقع، فحماية النظام الديمقراطي تكون بتطبيق آلياته وبالمزيد من ممارسة الديمقراطية لا بحجبها.ورغم تفهمي لمن يطرح بأن الاستجواب «مو وقته»، فإن هذا لا ينفي أنه تم الإعلان عن تقديمه فبات قريبا للواقع... وإن لم يقدّم هذا الأسبوع فسيقدم استجواب مماثل العام المقبل أو الشهر المقبل، وهي خطوة لابد لها في يوم من الأيام أن تحدث. وإن لم يتم استجواب المحمد فهناك قائمة طويلة من الوزراء تحت مجهر الاستجوابات كنورية الصبيح ومصطفى الشمالي وأحمد باقر ومحمد العليم وغيرهم. أعلم أن استجواب رئيس الوزراء سيفتح أبواباً جديدة في أعرافنا البرلمانية... وقد يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه، سواء ضمن إطار الدستور أو خارجه... إلا أن ذلك غير مقبول لأن الحل لأزماتنا السياسية ليس بتجنبها، بل بخوضها حتى إن تأزمت الأمور، ذلك إن كنا فعلاً نعتقد أن الدستور والديمقراطية هما خيارنا ونظام حكمنا... نحن اليوم لسنا أمام حسم المليفي مسألة خوضه في الاستجواب من عدمه، بل أمام سؤال أهم لحسم موضوع إيماننا بالديمقراطية وآلياتها.