-1-

Ad

تشتد هذه الأيام معركة انتخابات الرئاسة الأميركية، خصوصا بعد أن تمَّ عقد المؤتمر العام للحزب الديمقراطي في دينفر في ولاية كولورادو، واختيار السيناتور جوزيف بايدن نائباً للرئيس، وعقد الحزب الجمهوري مؤتمره العام في مدينة منيابولس في ولاية مينسوتا، واختيار حاكمة آلاسكا سارة بيلن نائبة للرئيس. وكان أهم محورين في خطاب كل منهما هو محور الاقتصاد. فمن المعروف أن أميركا الآن تعاني ركودا اقتصاديا بسبب ارتفاع أسعار الوقود، وبسبب كساد سوق العقار، الذي كشف عن إفلاس كثير من المواطنين ومُلاّك البيوت في عدم مقدرتهم على الإيفاء بالأقساط الشهرية المترتبة على بيوتهم، مما دفع البنوك الممولة والمقرضة إلى الاستيلاء على البيوت، وعرضها للبيع. وهدد هذا حياة آلاف الأُسر الأميركية.

-2-

وكان المرشح الرئاسي الديمقراطي أوباما أكثر واقعية واهتماماً بالناحية الاقتصادية من منافسه الجمهوري جون ماكين، الذي كثيراً ما يعتبر -فيما لو فاز في الانتخابات- بأنه الفترة الثالثة من عهد الرئيس بوش، وامتداد لسياسته الاقتصادية التي أفرغت الخزينة الأميركية من مليارات الدولارات التي تركها فيها خلفه الديمقراطي كلينتون. وفي خطاب أوباما، يوم الخميس 28/8/2008، الذي أجمع المراقبون بأنه «تحفة سياسية» Master Piece لم نسمع مثيلاً لها إلا في أيام جون كيندي في الستينيات، وضّح أوباما في خطابه «خطة طاقة شاملة»، واعداً بتقليل اعتماد الولايات المتحدة على النفط الأجنبي، حيث إن أميركا تعاني بسبب اعتمادها الخارجي في الحصول على موارد الطاقة. فحسب بيانات «إدارة الطاقة الأميركية»، بلغ حجم الاستهلاك الأميركي من النفط في عام 2007 نحو أكثر من عشرين مليون برميل يومياً، استوردت أميركا منها نحو 12 مليون برميل يومياً أي بنسبة 58.8%. ومقابل ذلك وعد أوباما من خلال خطته الاقتصادية الشاملة، بتزويد المستهلكين بمساعدات على المدى القصير. في حين اقترح ماكين إلغاء تعليق الحفر والتنقيب عن النفط والغاز في السواحل البحرية الأميركية، وأشار إلى ضرورة وضع خطط طاقة نووية مدنية جديدة، بالإضافة إلى الاستثمار في الطاقة البديلة.

وقال أوباما في خطابه، عن خطته الشاملة للطاقة: «وأنا كرئيس سوف أفتح صنبور احتياطاتنا من الغاز الطبيعي. وسوف أستثمر أموالاً في تكنولوجيا الفحم النظيفة، وإيجاد طرق لاستخدام الطاقة النووية بشكل سليم. وسوف أساعد مصانع السيارات الأميركية بحيث تستطيع إنتاج سيارات توفر الطاقة، وتُصنع هنا في أميركا، وسوف أعمل على أن يتمكن كل أميركي من اقتناء مثل هذه السيارة. وسوف أستثمر 150 مليار دولار خلال الأعوام القادمة من أجل تطوير موارد الطاقة المتعلقة بطاقة الرياح والطاقة الشمسية، والجيل الثاني من الوقود النباتي (biofuel هذا الوقود مستخرج من عدة أنواع من النباتات غير الصالحة للطعام الإنساني). وهذه الاستثمارات جميعها سوف تُوجد خمسة ملايين عمل جديد وبدخل جيد». وهذا يعني أن الدول المنتجة للنفط والمنضوية تحت علم الأوبك، سوف تبدأ بتلقي متاعب مالية ربما ليس في السنوات الأربع القادمة، ولكن حتماً في السنوات التي تليها.

-3-

لا شك أن ارتفاع أسعار البترول هذا الارتفاع الجنوني في الفترة الأخيرة، مما شكَّل عبئاً كبيراً على كل مستهلك في العالم بمن فيهم المستهلكون في الدول النفطية، هو الذي دفع الإدارة الأميركية المقبلة الى تبني مثل هذه الخطط للتخفيف من الاعتماد على البترول، حتى إن كان بأسعار لا تتعدى الثلاثين دولاراً للبرميل. فالهدف الرئيسي من وراء البحث الجدي عن الطاقة البديلة التي ذكرها أوباما في خطابه المذكور أعلاه، ليس لتخفيض سعر البترول إلى الحد المعقول، ولكن الهدف الرئيسي هو الاستغناء عن مادة البترول كمصدر للطاقة باعتبارها مادة نافدة ناضبة لها عمر معين، وسوف يأتي يوم قريب أو بعيد ينضب فيه هذا النفط. ودولة كبيرة ومسؤولة عن سلامة وسلام العالم كأميركا، لا يجب أن تقعد مكتوفة اليدين تنتظر هذا اليوم، ولا تفعل شيئاً بديلاً للطاقة البترولية، يضمن سير حياتها وصناعتها وتقدمها، وسير حياة العالم وصناعته وتقدمه.

أما الدول المنتجة للبترول خصوصا العربية، فسيكون مصيرها سيئاً ومحزناً، إذا هي لم تستغل واردات النفط في بناء الإنسان وليس في بناء الأبراج، وفي عقل الإنسان وليس في جسده، لكي يستطيع هذا الإنسان مستقبلاً بعلمه ومختبره ومصنعه أن يعوّض ما فقدته الدولة والوطن من واردات، نتيجة لكساد سوق البترول، بعد أن تكون الطاقة البديلة قد تطورت وأصبحت في متناول الجميع.

-4-

لقد قلنا سابقاً، إن البترول ليس قمحاً ولا ذهباً. وإن وضع البترول في العالم كوضع الدواء، يعتبر منتجاً استراتيجياً، لا تنتجه كل الأمم. فالبترول ليس قمحاً يمكن أن تزرعه أي أمة وينتجه أي شعب. والبترول ليس ذهباً بحيث يستطيع العالم أن يعيش من دونه، والاستغناء عنه بكل سهولة.

البترول مادة ضرورية واستراتيجية وحيوية حالياً -ما لم يُكتشف البديل- لحياة كل البشر في كل الكرة الأرضية. ولذا، فعلى الدول المنتجة للنفط (أوبك) أن تضع سقفاً لسعر البترول، لا يتجاوزه، حتى لا يحترق العالم ونحن معه كجزء منه، ولا تعتمد على عامل العرض والطلب في تسعير برميل البترول. وتحاول أن تجد حلاً جذرياً لهؤلاء المضاربين في أسواق البترول، الذين تبين لنا أنهم من الأسباب الرئيسة لارتفاع أسعار البترول على هذا النحو.

-5-

منذ سنوات عديدة وعلماء الدول الكبرى في الغرب يبحثون ويقضون الأيام والليالي الطوال في المختبرات العلمية بحثاً عن بدائل للبترول، تكون مصدراً رخيصاً ومتوفراً دائماً للطاقة. والآن أصبح البحث عن هذه البدائل تحدياً سياسياً واقتصادياً لمرشحي الرئاسة الأميركية. وهذا التحدي سوف يؤخذ مأخذ الجد ليس في أميركا وحدها ولكن في معظم الدول الكبرى الآن. ففي الصين مثلاً هناك خطة طموحة لتعزيز استخدام الطاقة المتجددة تشمل زيادة طاقة توليد الكهرباء من طاقة الرياح من 570 ميغاوات حالياً إلى 20 ألف ميغاوات بحلول عام 2020، وإلى 50 ألف ميغاوات بحلول عام 2030. ويكفي واحد ميغاوات لإمداد ألف منزل بالكهرباء.

وفي اليابان- أحد أكبر مستوردي النفط في العالم- يبحث صُنّاع السيارات في مجال خلايا الوقود لتشغيل موديلات جديدة باستخدام الهيدروجين، رغم أن تكلفة ذلك ما زالت خارج متناول المستهلك العادي. وحثَّ رئيس وزراء الهند العلماء والمسؤولين على الإسراع في تنمية مصادر الطاقة المتجددة، في ثالث أكبر دولة آسيوية مستهلكة للنفط.

فهل ستدفع خطة أوباما، وغيرها من خطط الدول الأخرى، إلى الاستغناء عن البترول كمصدر رئيسي للطاقة، أو التخفيف الكبير من استخدام البترول كمصدر رئيسي للطاقة؟

هذا ما ستكشف عنه السنوات المقبلة القريبة جداً في ظني.

* كاتب أردني