هل إقحام «صاحبة الجلالة» الصحافة في الدراما الرمضانية موضة جديدة كتلك التي تطفو على السطح بين الحين والآخر؟ أم أن هذا العالم بشخصياته يغري البعض على اقتحامه والتعرف إلى كواليسه؟ إلى أي حدّ نجحت تلك الأعمال في الاقتراب من الصورة الحقيقية للصحافي، وهل هناك خطوط حمر لا يمكن لأهل الدراما تجاوزها خشية النقد والهجوم؟ أم إنها وسيلة لتفريغ المشاعر السلبية في داخلهم تجاه الصحافة وأهلها بسبب تناولها إياهم بالنقد والهجوم في أحيان كثيرة؟تلك الأسئلة وغيرها فرضت نفسها نظرًا إلى وجود أكثر من عمل درامي يعرض على شاشة رمضان ويتناول مهنة الصحافة وشخصياتها.في البداية، ترى الناقدة ماجدة موريس أن «تعرّض مسلسلات عدة لمهنة الصحافي أمر عادي، ويرجع السبب إلى تطوّر دوره بحكم التغيرات التي تحدث في المجتمع وازدياد القضايا والمشاكل فيه، ما يجعل مهنة الصحافة تؤدي دورًا رئيساً وبالتالي ارتفع إقبال المؤلفين على تناولها».
تضيف موريس: «ما يعيب تلك المسلسلات هو عدم تناولها للصحافة ولمهنة الصحافي بشكل دقيق وصحيح، فبعضها يبتعد تماماً عن الواقع، وتفتقد في غالبيتها إلى الصدق في المعالجة، تحديدًا من ناحية صورة الصحافي وأساليب تعامله في التحقيق أو من ناحية كيفية وصوله إلى الترقية». كذلك تعتبر أنه في تاريخ الدراما المصرية ما زال مسلسل «زينب والعرش» عن قصة الأديب الراحل فتحي غانم من أفضل المسلسلات التي استطاعت تقديم مهنة الصحافة بمنتهى الدقة والمصداقية، وتناولت التفاصيل الدقيقة والعلاقات داخل المؤسسات الصحافية.
في السياق نفسه، يقول الناقد محمود قاسم: «لا يمكن الحكم على أي مسلسل قبل أن ينتهي لنستطيع تقييم الشخصية بدقة، خصوصاً أنها لا تسير على وتيرة واحدة وإنما تتبدل مع تطوّر الأحداث، لكن عموماً تتناول الدراما الصحافي من منطلق أن حياته مليئة بالأحداث، أي تعتبره رمزًا لمقاومة الفساد والتصدّي لمشاكل المجتمع، وتعتبر الصحافة مصدراً أساسياً ومهماً للحصول على المعلومات والأخبار».
يضيف قاسم: «غير أن شخصية الصحافي التي تجسدها الدراما غير مطابقة للواقع إطلاقاً، فغالباً ما يظهر الصحافي شخصًا مثاليًّا يبحث عن الحقيقة ويسعى إلى الكشف عن الفساد، إلا أن الواقع مليء بنماذج مختلفة، ثم إن الصورة العامة لتفاصيل المهنة غير واقعية» .
الاتجاه المعاكس
«تتدخل الصحافة في حياتنا ومشاكلها»، هذا ما أكدته موريس وأشارت إلى أن «حياة الصحافي في الدراما مثيرة ومليئة بالأحداث، ويمكن أن نطرح من خلالها الكثير من القضايا والمشاكل التي تمس المجتمع، فلا توجد أي قضية إلا ويتم تناولها من خلال الصحافة، وهذا هو السبب وراء اتجاه الدراما لتناول تلك المهنة بكثرة».
تضيف موريس: «للأسف تظهر صورة الصحافي مثيرة للضحك وغير مقنعة، ولا يدرك الكاتب طبيعة عمل الصحافي والعلاقة بين الصحافيين ورؤسائهم أو ماهية عمل كل منهم، لذلك تبدو الصورة ساذجة مختلفة تماماً عن الواقع. من هنا يجب أن تتوافر لدى كاتب السيناريو والمخرج معلومات كافية عن مجمل التفاصيل، لكن ما يحدث هو العكس، تسود الدراما حالة من الجهل ويعتمد كتّابها على جهل الجمهور لتلك التفاصيل، ومن ثم يستسهلون ولا يتعبون في البحث عن المعلومات الصحيحة، لذا تأتي الأحداث غير منطقية في الغالب».
تشير موريس إلى أنه لا توجد في الواقع فكرة الصحافي الجريء الذي يتخذ موقفاً ويتبنى موضوعاً بمفرده، «أي حدث أو أي قضية تتناولها الصحف جميعها ووسائل الإعلام، لكن يختلف الأمر في وجهات النظر وكيفية المعالجة، كذلك لا وجود للصحافي الذي يتعرض لمحاولات القتل والابتزاز بسبب تناوله قضية فساد وإلا لكانوا تخلصوا من كل الصحافيين الذين يتطرقون إلى مثل تلك القضايا».
على الجانب الآخر يرى السيناريست محمد الصفتي، مؤلف مسلسل «في أيد أمينة»، أن مهنة الصحافة مثل أي مهنة أخرى يجب أن يسلَّط الضوء عليها، «هي جزء لا يتجزأ من مجتمعنا، بالإضافة إلى أنها مهنة ثرية درامياً لأنها تمس البسطاء وتهتم بهم وتناضل من أجلهم».
يضيف الصفتي أن الصحافيين هم بشر، لهم مشاكلهم وأحساسيهم الخاصة، «وهو ما استندت عليه في المسلسل متمثِّلا بشخصية أمينة التي تؤدي دورها يسرا، بالإضافة إلى تسليط الضوء على شخصية مغايرة للصحافي النزيه مثل الدور الذي يجسده الفنان هشام سليم».
يتفق مع الرأي السابق السيناريست أشرف محمد، مشيرًا إلى أن الصحافة لها دور مهم في مجتمعنا، «فهي تعتبر مادة ثرية يمكن أن يستخرج منها الكاتب الكثير من القضايا والأحداث التي تطاول المجتمع ويعالجها درامياً بحيث يطرح المشكلة ويضع لها الحل، كذلك تعتبر الوسيلة الأساسية لطرح أي قضية، لذلك أصبح تناول تلك المهنة في العمل الدرامي مهمًّا لإدارة الأحداث».
يضيف محمد: «للصحافي دوره في المجتمع مثل أي شخص آخر يؤدي عمله ويسعى إلى كشف الحقائق للجمهور، لا أختلق شخصية لتتوافق مع السياق الدرامي، لكنني أعرض شخصية تمثّل الواقع الذي نعيش فيه بكل تفاصيله، ففي الصحافة إيجابيات وسلبيات، وفيها صحافي نزيه وآخر يستغل المحيطين به ليصل إلى ما يريد، ليس هنالك من نمط واحد للشخصية إنما يتم تناولها بإيجابياتها وسلبياتها».