Ad

لم تكن الأميرة «فتحية» هي الوحيدة التي أفسدتها أمها الملكة «نازلي»، فالأميرة «فايزة» أيضا تزوجت ـ وعمرها 41 سنة ـ المليونير الأميركي «آرثر كاميرون» وكان في الستين من عمره، وما لبث العجوز أن مات، لتنضم «فايزة» إلى أمها «نازلي» وشقيقتها «فتحية» وتقيم معهما غربي لوس أنجلوس، حيث ماتت ودفنت بعد صراع مع «السرطان»، وسار في جنازتها أبناء فتحية ورياض غالي الثلاثة: رفيق ورائد ورانيا.

ومن سلالة الأسرة العلوية التي ارتبطت بغير المسلمين: «أحمد فؤاد الثاني» ابن فاروق، الذي يعيش في باريس منذ سفره إليها بعد إلغاء الملكية، والذي ظل لشهور ملكا تحت الوصاية عقب قيام ثورة يوليو 1952 وهو مازال طفلا رضيعا، وقد تزوج يهودية تدعى «دومينيك فرانس بيكار»، غيرت اسمها بعد زواجها منه إلى «فضيلة»، جريا على عادة جده وأبيه «فؤاد وفاروق» اللذين سميا البنات والزوجات بأسماء تبدأ بحرف الفاء، وقد غير «فاروق» اسم زوجته الأولى «صافيناز ذو الفقار» لتصبح «الملكة فريدة»، لكنه ترك للزوجة الثانية ـ تزوجها في 5/5/1951ـ اسمها «ناريمان» الذي كان يبدأ ـ كاسم أمه ـ بحرف النون!

ودومينيك شخصية شديدة الغموض، وسر زواجها من «أحمد فؤاد» هو الأكثر إثارة وغموضا في حياتها، خاصة وقد انفصلت عنه، أو تخلت عنه وعن أبنائها الثلاثة بدون سابق إنذار ولا سبب واضح، وتردد بقوة أنها عادت إلى ديانتها «اليهودية»، وعلى كل حال فاليهود لا يعتدون كثيرا بما «يظهره» أبناء دينهم من اعتناق لأديان أخرى، ويتعاملون معهم باعتبارهم يهودا باستمرار. وقد أنجبت «دومينيك» ـ عندما كانت فضيلة ـ من أحمد فؤاد ثلاثة أبناء هم: محمد علي، وقد ولد في القاهرة بناء على موافقة من الرئيس السادات الذي استقبل أحمد فؤاد وزوجته لتتم ولادة ابنه في القاهرة، وفوزية واسمها الحقيقي «لطيفة»، وفخر الدين وتمت ولادته في كازبلانكا بالمغرب، بدعوة شخصية من الملك الحسن الثاني، فهل تسعى «تل أبيب» كما سعت من قبل مع أبناء مشاهير مصريين تحولوا عن اليهودية إلى ضم الثلاثة إليها ومنحهم جنسيتها؟

ربما، ومادمنا لا نعرف لماذا تخلت «دومينيك» عن زوجها وأبنائها واسم «فضيلة»، فلنسأل: ولماذا تزوجت «دومينيك» الرجل الذي تخلت عنه فيما بعد؟

على طريق الإجابة يمكن أن نتذكر ما تردد ـ بقوة ـ في منتصف السبعينيات عن أن الرئيس «السادات» يمكن أن يعيد الملكية إلى مصر، على غرار ما فعله «الجنرال فرانكو» الذي أعاد الملكية إلى إسبانيا، في تلك الحقبة ـ منتصف السبعينيات ـ وجاء بالملك «خوان كارلوس» ليجلسه على عرش آبائه. فهل كان حلم «عرش مصر» ـ أو عرش يوسف (عليه السلام) كما يقول اليهود يراود «دومينيك»؟ هل كانت تحاول كتابة سفر جديد على طريقة «سفر إستر» المعروف ـ والمعروفة ـ في التوراة؟ هل كانت «دومينيك» تحاول أن «تضع قدمها في حذاء» الممثلة «ليليان كوهين» المعروفة باسم «كاميليا»، وتنجح فيما فشلت فيه نجمة الإغراء اليهودية التي فتنت الملك فاروق؟

بدأت علاقة فاروق بكاميليا في 1946، وكان عمرها 16 سنة، وهكذا سارت الأمور: قابلها وهي بصحبة منتج سينمائي في «أوبرج الأهرام»، فأعجبته، فدعاها إلى قصر عابدين. وفي القصر غنت له أغاني يهودية، ورقصت، وبكت، وضحكت، وتظاهرت بأنه يعلمها حيل الحب بينما كانت ـ في الواقع ـ تقود خطاه المتلعثمة. ومن الخلوة في قصر عابدين إلى خلوة أخرى ـ غير شرعية ـ في قبرص، حيث اصطحبها فاروق، أو اصطحبته هي في الواقع قائلة إنها تريد أن تزور منزلا تمتلكه عائلتها هناك، لكنه لم يكن أكثر من «كوخ»، نسيت «كاميليا» أمره تماما ولم تفكر ولو في المرور به، غارقة لأيام معدودات في «الجناح الملكي» الذي نزلت فيه مع «فاروق»، قبل أن يتهمها الملك بأنها سربت خبر خلوتهما الذي نشرته صحيفة قاهرية، ويترك لها رسالة تقول «اضطررت للرحيل» مع خمسين جنيها لا غير، وعندما هرعت «كاميليا» إلى الميناء الذي سبق أن رست عليه بأحلامها وحقائبها، اكتشفت أن فاروق رحل قبل ساعات على اليخت الملكي نفسه الذي وصلا به إلى قبرص، اليخت «فخر البحار» وياله من فخر!

لم يعد فاروق إلى مصر، بل اتجه بـ”فخره” إلى ميناء "مرسين” التركي، وبقى فيه غير مبال ببرقيات الحكومة والقصر ـ قصره ـ التي كانت حروفها شفاها تقبل يديه وتطالبه بالعودة فورا، لأن فضيحة كاميليا تتفاعل، والإنجليز يحسبونه في "مرسين” لعقد حلف مع تركيا، والأحوال تتدهور بسرعة. ومزق فاروق البرقيات كلها، إلا برقية واحدة كانت لها شفتان غليظتان، برقية من كاميليا تقول "سوف انتحر إذا لم تعد”! وعاد ـ حبا وخوفا من الفضيحة ـ ليسترضيها ويشتري لها "فيلا” حقيقية.

حين قرر الملك "فاروق” العودة إلى مصر من ميناء "مرسين” التركي، على يخته "فخر البحار”، كانت هناك أزمة وزارية تنتظره في القاهرة، وأزمة أكبر معه على اليخت اسمها "كاميليا”، لكنه تجاهل الأزمتين معا، الأزمة الوزارية وكاميليا التي هجرها عاما كاملا! وعندما شعر بحنين لها طلبها على الهاتف، وحضرت إليه في قصر عابدين، كان يحدثها وهي شاردة، ولم يفهم سر شرودها إلا عندما غادر الحجرة تاركا مائدة الطعام العامرة التي كان قد انتهى منها قبل وصولها مباشرة، وانقضت "كاميليا” على بقايا الطعام، وعاد الملك إلى الحجرة ليراها، ويعرف أنها تعيش على "الفول”، وأنها بلا عمل ولا مال منذ هجرها. وشبعت "كاميليا” لتثرثر مرة أخرى عن علاقتها بالملك، وتنتشر الفضيحة، فيهجرها فاروق، ثم يستدعيها ليسألها عن علاقتها بمصور خطبت له، ويتهمها بالحماقة لأنها تفضل الزواج من رجل تافه على أن تكون خليلة للملك، وعادت "المياه إلى مجاريها” بينما كانت حرب فلسطين بين العرب ـ وقائدهم الملك فاروق ملك مصر والسودان ـ واليهود، الذين شاع أن "كاميليا” جاسوسة لهم، وقيل إنها "إستر” الجديدة، تقدم نفسها ـ كنظيرتها البعيدة ـ للملك حتى يرضى عن قومها. وحين وصل الأمر إلى اتهام صريح ومساع من السلطات المصرية للقبض على كاميليا، قام فاروق بطرد أحد وزرائه من شاليه مملوك له ـ للوزير ـ في الإسكندرية لتختبئ فيه خليلته اليهودية المتهمة بالجاسوسية لصالح الصهاينة، فيما كان الجيش المصري يخوض الحرب ضد الصهاينة ويلقى الهزيمة على أرض فلسطين عام 1948!

ولم يجد رئيس الوزراء "النقراشي” بدا من مواجهة الملك بحقيقة ما تهتف به الجماهير ضده في كل مكان، بل بحقيقة ما سمعه الملك بأذنه من شعبه الغاضب وهو يغادر سينما "مترو”. قال "النقراشي” للملك: "لقد نما إلى علمي أن عددا من النساء اللاتي تلتقي بهن جاسوسات، وأن اليهود يحصلون على معلومات منهن، كما علمت أن هناك علاقة حب بينك وبين فتاة يهودية”. وأنكر الملك، ادعى أن علاقته بـ”الفتاة اليهودية” انتهت، وقال إنه يلعب القمار مع اليهود ليأخذ أموالهم، كان كلاما فارغا، لم يؤد إلى نتيجة.

وبعد الانسحاب المهين للقوات المصرية من فلسطين طبقا لهدنة "رودس” 24 من فبراير 1949، وطلاق فاروق للملكة المحبوبة من الشعب "فريدة” بناء على طلبها، وزواج الأميرة "فاطمة طوسون” ـ التي كان "فاروق” يضعها على لائحته ويخطط للزواج منها ـ من الأمير البرازيلي "دوم جوان” وصل فاروق إلى حافة الانهيار. لكن لاحظ ـ أولا ـ أن الأميرة فاطمة سليلة أسرة "محمد علي” تزوجت رجلا مسيحيا، ورتبت للأمر بالسفر إلى أوروبا، وحين علم "فاروق” بالأمر واتصل بها ـ وقد جن جنونه ـ ليغريها بأنها ستكون "ملكة مصر” ويهددها بأنه سيجردها من لقبها وأملاكها، لم تبال بوعده ولا بوعيده، كانت صماء تماما، ومصممة على إتمام زيجتها، وقد كان!

وفي نهاية صيف 1950 قرر فاروق أن يسافر إلى ديوفيل بفرنسا ليلتقى ـ سرا ـ بجاسوسته الحسناء "كاميليا”، ومن الإسكندرية سافر فاروق إلى "مارسيليا” التي لم تكن قد تعافت بعد من آثار الحرب العالمية الثانية، فكان طبيعيا أن تتصدر أخبار إسرافه المستفزة الصفحات الأولى، وفي ديوفيل خسر ـ في انتظار كاميليا ـ 55 ألف جنيه مصري (نحو مليوني جنيه بعملتنا الحالية) على مائدة القمار في ليلة واحدة، وحسب الترتيب المتفق عليه كان على "كاميليا” أن تسافر إلى سويسرا بالطائرة في 31 من أغسطس 1950، ثم تستقل سيارة فاروق الخاصة التي أرسلها بسائقها من "جنيف” إلى "ديوفيل”. وكان يمكن ألا تسافر كاميليا من الأصل، ففي المطار اكتشفت أنه لا يوجد مكان على الطائرة، لكن الصحافي "أنيس منصور” الذي كان مسافرا على الطائرة شعر بقلق على والدته المريضة، فقرر التخلف عن السفر، وفي المطار وجد "كاميليا” بصحبة الناقد الفني الراحل "حسن إمام عمر” وأعطاها تذكرته.

لا أحد يعرف أي تاريخ كان سيكتب لو وصلت الطائرة التي لم تصل أبدا، ففي الموعد المحدد لوصولها اتصل سكرتير "مولانا الملك فاروق المعظم ملك مصر والسودان” بمليكه ليخبره أن الطائرة التي أقلعت بكاميليا لم تغادر مصر، فقد سقطت وتحطمت فوق محافظة البحيرة بالقرب من القاهرة، ومعها احترقت "كاميليا”، ومات كل ركابها، وكانوا 55 راكبا.

وهكذا انتهت مغامرة اليهودية الطموح، الجاسوسة الحسناء، نجمة الإغراء "ليليان كوهين” خليلة الملك المعروفة باسم الممثلة "كاميليا” ، وربما كانت "دومينيك فرانس بيكار” قد حاولت أن تنجح فيما لم تنجح فيه "ليليان”، وحين اكتشفت أن الأمير السابق، والملك ـ تحت الوصاية ـ السابق أيضا الذي تزوجته لن يصبح ملكا أبدا، وأن "السادات” رحل في حادث المنصة الشهير من دون أن يكرر مشروع "فرانكو”، وبالتالي فإن "أحمد فؤاد” لن يصبح "خوان كارلوس” فضلت الانسحاب من حياة زوجها، وأبنائها الثلاثة، قبل أن يقع بينهما الطلاق بعد ذلك وتعود إلى ديانتها الأولى .

ومازلنا نحاول إجابة السؤال عن علاقة أسرة «محمد علي» بالمسيحية، ولدينا الكثير مما تخفيه أوراق النشأة التي لا يعرفها أحد لرأس العائلة، الباشا الكبير، القادم من بلاد الألبان ولكنه ليس ألبانيا، لدينا الكثير مما تخفيه أوراق «محمد علي» وأوراق أبنائه.