Ad

تبقى هناك ثلاثة عوامل مهمة تعطي لمنطقة الخليج العربي أفضلية على بحر قزوين أو غرب أفريقيا أو غيرهما، وهي توافر درجة عالية من الأمن لنفط الخليج، وانخفاض كلفة إنتاجه، وجودته التي لا تضارع.

مع ارتفاع أسعار النفط إلى مستوى غير مسبوق في التاريخ بدأت أنظار الدول الكبرى المستهلكة للطاقة تتجه مجدداً إلى المناطق البكر أو الجديدة الواعدة في إنتاج الطاقة، وفي مقدمتها منطقة بحر قزوين التي تبدو مستعدة لاستقبال استثمارات دولية ضخمة تضخها شركات طاقة عملاقة وتحض عليها قوى كبرى تسعى إلى تنويع مصادر حصولها على النفط والغاز الطبيعي.

وإذا كانت الاحتياطات النفطية المؤكدة في هذه المنطقة لا تزيد على 10 مليارات برميل، فإن الاحتياطات المحتملة تصل إلى 233 مليار برميل، ما يعني أنها ستكون محل اهتمام دولي كبير، لتحويل الاحتياطي المحتمل إلى احتياطي مؤكد، من خلال مواصلة عمليات التنقيب والاستخراج، ناهيك عن الاستمرار في عمليات الاستكشاف في سبيل زيادة حجم الاحتياطات بوجه عام.

وحسب تقديرات وزارة الطاقة الأميركية لاحتياطيات النفط القابلة للاستخراج فإن الاحتياطيات المحتملة لهذه المنطقة تصل إلى 200 مليار برميل، وهو رقم يقترب كثيراً مما لدى المملكة العربية السعودية من احتياطيات نفطية مثبتة تبلغ 269 مليار برميل.

ومع هذا فإن هناك من الخبراء من يشكك في هذه التقديرات ويرى فيها مبالغة كبيرة بغية شن حرب نفسية وممارسة ضغوط على الدول النفطية الرئيسية لحملها على الاستجابة لمطالب الدول المستهلكة المتمثلة في خفض الأسعار على المدى الطويل كي لا تشكل مشترياتها من الطاقة ضغطاً على ميزانياتها. وقد أورد معهد «وود ماكينزي» للاستشارات تقديرات مختلفة تبين أن الاحتياطيات المثبتة في منطقة بحر قزوين تصل إلى 70 مليار برميل، وهي تقديرات لا تزيد كثيراً على أرقام بعض شركات الطاقة الأميركية التي تتحدث عن احتياطيات ممكنة تصل إلى 65 مليار برميل.

أما من حيث إنتاج النفط فإن منطقة بحر قزوين أنتجت طيلة عام 1990 ما يربو على 1.1 مليار برميل، زادت إلى نحو 1.3 مليار عام 2001، ومن المتوقع أن تزيد إلى 3.7 مليارات عام 2010، يتم تصدير 3.1 مليارات منها إلى العالم الخارجي. ويعني هذا أن المنطقة ستصدر 10 ملايين برميل يوميا إلى العالم الخارجي، وهو ما يكافئ إنتاج المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من النفط.

وحتى في ظل حجم التصدير الحالي، الذي يزيد على مليار ونصف المليار برميل سنويا، أي حوالي 4.5 ملايين برميل يوميا، فإن هذه المنطقة تحتفظ بأهميتها دولياً، في ضوء الحساسية الشديدة التي تتمتع بها سوق النفط الدولية. وبالطبع فإن حجم الاحتياطي والإنتاج ومن ثم الصادرات سيزداد حال التحقق من نصيب إيران في ثروات بحر قزوين، الذي ينتظر فض الخلاف القانوني بين الدول المشاطئة له من أجل البدء في عمليات الإنتاج على نطاق واسع.

ومن المتوقع أن يزداد سباق شركات الطاقة على تلك المنطقة بالنظر إلى حجم الاحتياطي من الغاز الطبيعي الذي يصل المؤكد منه إلى ما يربو على 170 تريليون قدم كعب، ويزيد الاحتياطي المحتمل على ذلك بـ123 تريليون قدم مكعب، بما يجعل المنطقة تحتل مرتبة متقدمة بين المناطق الواعدة في إنتاج الغاز الطبيعي على مستوى العالم برمته. وتأتي الصادرات المتوقعة من الغاز الطبيعي لتزيد من أهمية منطقة بحر قزوين، إذ ستصل إلى 4.1 تريليونات قدم مكعب سنويا، أغلبها يأتي من تركمانستان.

كما تزيد أهمية منطقة بحر قزوين بالنظر إلى حاجة الدول الآسيوية المجاورة والقريبة منها الماسة إلى النفط والغاز الطبيعي، فالغالبية العظمى من دول آسيا الصناعية الصاعدة تعاني فقراً شديداً، تختلف درجاته من دولة إلى أخرى، في موارد الطاقة، خصوصاً النفط والغاز الطبيعي. فاليابان تستورد 80% من احتياجاتها النفطية من دول الخليج، وهي النسبة نفسها التي تستوردها الهند، في حين تصل واردات الصين من النفط إلى 40% من الكميات التي تستهلكها، من المنتظر أن ترتفع خلال السنوات القليلة المقبلة إلى أكثر من 60%، وهي النسبة نفسها التي تستوردها باكستان في الوقت الراهن.

ومن هنا فإن نفط بحر قزوين بدا في نظر العديد من الساسة والمحللين هدفاً متوارياً للحملة العسكرية الأميركية ضد أفغانستان، في إطار التنافس الدولي على الطاقة. ويسهب بعضهم في وضع تصورات حول الترتيبات السياسية والاستراتيجية في منطقة وسط آسيا، بعد تمكن الحملة العسكرية من إزاحة «طالبان» عن الحكم، تشير برمتها إلى رغبة الولايات المتحدة في السيطرة على موارد الطاقة في هذه المنطقة، خصوصاً في ضوء وجود مساعي متواصلة تقوم بها واشنطن تستهدف التحكم في صفقات نقل النفط والغاز من بحر قزوين إلى العالم الخارجي، ووجود خطط أميركية لمد نفوذ حلف شمال الأطلسي «الناتو» إلى منطقتي القوقاز وآسيا الوسطى لتضييق الخناق على إيران والحد من النفوذ الروسي التقليدي في هذه المنطقة.

لكن تبقى هناك ثلاثة عوامل مهمة تعطي لمنطقة الخليج العربي أفضلية على بحر قزوين أو غرب أفريقيا أو غيرهما، وهي توافر درجة عالية من الأمن لنفط الخليج، وانخفاض كلفة إنتاجه، وجودته التي لا تضارع، ومن ثم فإن الحديث عن إمكانية دخول منطقة بحر قزوين المنافسة بقوة في سوق النفط الدولية أو طرحها في صورة العنصر الذي يؤثر على نفط الخليج ويحد من دوره هو مجرد كلام سياسي أو نفسي لا يمت بصلة إلى الواقع، ليبقى خبر الطاقة اليقين في الخليج العربي وليس في بحر قزوين.

 

* كاتب وباحث مصري