خلال الأشهر الماضية، كنت أسمع الأغنيات العربية القديمة و{الحديثة»، وأتأمل المواضيع التي تركّز عليها، لاحظت أن الراهنة منها، تعتمد في معظمها على «كلمة أو كلمتين»، تحدثان مع الموسيقى جواً راقصاً أو ساهراً مثل «إلعب العب»، و{بوس الواوا»، و{ايواه اه»، و{آه ونص».

Ad

أما الذي لفت انتباهي في بعض الأغنيات التي تسمى أصيلة، كثرة اهتمامها بمديح «العيون السود»، مع ندرة تلك التي تتحدث عن الألوان الأخرى مثل العيون الخضر والزرق والعسلية والبنية والرمادية والمخمليّة، كأن العيون السود ماركة مسجلة وحيدة، أو أنها تحتكرالأغنيات كافة، ويتخيلها الجميع كنزاً عجيباً في الحياة الدنيا. الأرجح أنه عدا «وهم» جمال العيون السود، ثمة الإيقاع الجميل لهذه الكلمة فهي خفيفة على اللفظ وتنتهي بحرف مسكّن، وذلك يجعل المطربين والمطربات من أنصارها. تقول أغنية «البوسطة» لفيروز «موعود بعيونك أنا موعود وشو قطعت كرمالن ضيع وجرود/ إنتي إنتي إنتي عيونك سود ومنك عارفي شو بيعملو فيي عيون السود».

تقول المطربة وردة في أغنية «العيون السود»: «وعملت إيه فينا السنين/... فرقتنا. لا/ ... غيرتنا... لا/ ولا دوبت فينا الحنين/ السنين / ... لا الزمان، ولا المكان/ قدروا يخلوا حبنا.../ دا يبقى كان... يبقى كان... الزمان.../ وبحبك ... والله بحبك.../ والله والله والله بحبك !!.../ أد العيون السود أحبك.../ وانت عارف ما انت عارف.../ أد كتيرة وجميلة... العيون السود.../ في بلدنا... يا حبيبي.../ وبحبك... والله بحبك». أما عبد الحليم حافظ فيقول في أغنية «كامل الأوصاف» من كلمات مجدي نجيب: «كامل الأوصاف فتنـِّي/ والعيون السود خدوني/ من هواهم رُحْت أغنـِّي/ آه يا ليلي آه يا عيني/ يا ليل/ العيون السود... رموشهم ليل/ ليل بيحلم باللي غايب/ والعيون السود... خدوني...

كذلك قرأت تقريراً عن صفات «أجمل عيون» جاء فيه: {صفات العيون أن تكون متوسطة الحجم، ساكنة في مآقيها، صافية من الكدر، حسنة البريق، كامنة العروق، معتدلة الطرف بالجفن، نجلاء يخالطها السرور والمهابة، نقية البياض والسواد، لا عظيمة ولا صغيرة، لا جاحظة ولا غائرة، لا شاخصة جامدة ولا سريعة التقلب كالزئبق، لا شاخصة الحدقة، ولا صغيرتها، ولا كبيرتها، ولا واسعتها، ولا مختلفة الوضع في البياض والسواد، رطبة المنظر من غير ضعف أو علة. شهلاء أو خفيفة الشهولة، أو كحلاء، أو شعلاء خفيفة الشعولة، شحيمة الجفنين».

قرأت حكاية معبرة تلخّص أوهام الأغنيات، تقول إن فتاة أخبرت والدها أنها شاهدت برنامجاً علمياً على إحدى القنوات يتكلم عن العيون السود وأنه لا يوجد شخص بعينين سوداوين وإنما اللون هو أحد درجات اللون البني الداكنة بحيث تكون أقرب إلى الأسود.

قال الأب: «يذكرني ذلك بتغني العرب دائماً بالعيون السود وكيف أنها من صفات الجميلات العربيات، وحقيقة أني لا أشاهد هذه العيون إلا نادراً. كل من حولي تتفاوت ألوان أعينهم بين البني الفاتح والبني الداكن ويقال «عسلية» نسبة للون العسل. بعد بحث بسيط في Wikipedia عن هذا الموضوع، وجدت أنه ما من عيون سود أصلا وإنما الألوان هي بني، بندقي، كهرماني، أخضر، أزرق، رمادي. إذاً، ربما كانت العيون السود هي في مخيلة الشعراء فحسب».

أما كاتب هذه السطور، فقد سُحر بعيني موظفة في الأمن العام اللبناني ترتدي البزة العسكرية، انتبه بعد لحظات أنها تضع عدسات لاصقة.