بعد أن أُعلنت تشكيلة الحكومة الجديدة مساء الجمعة الماضي، وبعد ما سمعته من تحليلات من باقة من المحطات الفضائية، واستفسارات «بومشعل» في الديوانية، ومناكفاته مع الربع عن أصل ومعنى تعبير «تكنوقراط»، و«معاياته» مع جميع رواد الديوانية التي لا تنتهي، غادرت الديوانية بمشاعر «كوكتيل» من التفاؤل والريبة مما سيحدث في القادم من الأيام، في ما يخص أوضاعنا السياسية والعلاقة بين الحكومة والمجلس.

Ad

وفي البيت أكملت روتين حياتي اليومية بتناول وجبة عشاء معتبرة من «الشيف داما» وهي قائدة عمليات مطبخنا منذ 20 عاما، بأطباقها المليئة بالبهارات والنكهة الهندية، بينما كنت أستمع لطلبات وشكاوى أم العيال، وأستكمل متابعة تحليلات فضائياتنا عن الحكومة الجديدة، الليلة مرت كالمعتاد، وتوسدت مخدتي لأريح «المخيخ» من أعباء اليوم بأحداثه الطويلة السياسية والعائلية، وبمعدة ممتلئة بأكلة دسمة!

ورغم التعب فإنني بقيت أتقلب في الفراش حتى نعست وغططت في نوم عميق، ورأيت كما يرى النائم، بأنني في ردهة قصر يحيط بي الرخام من كل الجهات، وأصعد درجا فخما يتفرع إلى اليمين واليسار، يتوسطه نموذج فاخر لـ«بوم» (سفينة شراعية)، فاجتزت البهو والدرج، ووجدتني أدخل في قاعة مهيبة يحيط بها 15 «بشتاً مهفهفة» ومعطف نسائي باريسي، كلها على معاليقها، وطاولة بيضاوية الشكل تحيط بها كراسٍ بنية، وفي الواجهة طاولة عرضية بأربعة كراس، وسحب البخور الكمبودي تلف القاعة، وفي مقدمة الطاولات أكوابٌ مذهبة.

وأنا كذلك أخذتني الرهبة ورحت أنظر ما سيحدث، فرأيت رجلاً وسيماً بملامح السيد عبداللطيف الروضان يرتب ملفاته، وعندها أخذني الفضول لأقرأ ما هو مكتوب فيها، فوجدت أعلاها ملفا ضخما فيه بعض الأوراق القديمة المائلة إلى الصفرة كُتب عليه «المشاريع الكبرى»، وفيه مخططات لميناء بوبيان وجسر جابر الأحمد ومستشفى جابر ومترو الكويت ومدينة الحرير، وتوصيات تعديل قانون المناقصات العامة لسرعة إنجاز المشاريع واختصار الدورة المستندية لها... إلخ. وقلبت ملفا آخر كان إلى جانبه فوجدت دراسات عن تطوير الخدمات الصحية وتطبيق نظام التأمين الصحي للمواطنين، فأسندته بجانب الملف السابق، وفتحت ملفا ثالثا لأجد مشروع المدرسة الحديثة الإلكترونية، ومخاوف الجامعة من قدرتها على توفير الكوادر الأكاديمية عند إنجاز جامعة الشدادية «المفصولة جنسياً» بمئات الملايين من الدنانير!!

والتفت إلى ملف رابع كاد يسقط من ثقل ما يحتويه من أوراق عُنونت بـ«تنويع مصادر الدخل وتحويل الكويت لمركز مالي وتجاري»، وهكذا أخذت أقلب ملفا تلو الآخر مُهر أغلبها بتأشيرة «لمزيد من الدراسة والبحث في اللجان والجهات المختصة».

وفي خضم نشاطي الفضولي ذلك، سمعت نقاشا حادا من الجالسين حول الطاولة عن أفضل التكتيكات السياسية لتفادي الاستجوابات المقبلة من النواب المشاغبين، وسمعتهم يتداولون كيفية «تضبيط» تلك الكتلة وذلك التيار، وكسب ذلك النائب عبر خدمة لجماعته، يلح على إنجازها ليصوت معنا.

وهنا أخذتني الحمية والحماسة وقلت بصوت عالٍ «طال عمرك... مو أحسن تناقشون الملفات هذي وتخلصونها» فالتفت إلي 16 شخصا بعيون ينطلق منها الشرر قائلين: «منو هذا... حرس»، فأخذت أركض وأسقط، وأقوم وألهث والحرس من خلفي، حتى استيقظت فزعا، وأنا أضع اللحاف على رأسي تفادياً لما سيأتيني من الحرس، وفتحت عينيّ لأجد نفسي ملقى إلى جانب السرير، وأنا أسمع أم العيال تقول: «ياثوم»، وتسألني عن تفاصيل الحلم حتى أخبرتها... فلامتني بشدة واستنكار لأنني أحلم أحلاما سياسية، فرددت عليها بمقولة الفنان عبدالحسين عبدالرضا الشهيرة في إحدى مسرحياته: «حلم يُبا... هذا حلم»!