في شهر مارس الماضي قلَّد الملك عبدالله ملك المملكة العربية السعودية نائب رئيس الولايات المتحدة ديك تشيني في الرياض وسام استحقاق المملكة. وكان ذلك الحدث سبباً في إثارة المئات من الاحتجاجات على مدونات شبكة الإنترنت من جانب العرب الذين أدانوا تلك المكافأة، باعتبارها خيانة وندبوا الحال الهزيلة المثيرة للشفقة التي وصلت إليها الزعامات في العالم العربي.

Ad

في الوقت نفسه، أطلق أسامة بن لادن تصريحين صوتيين أدان فيهما الهجمات الغربية والإسرائيلية على المسلمين وأعاد تأكيد ضرورة شن حرب عنيفة لتحرير الأراضي الإسلامية المحتلة من قبضة الكفار.

من وجهة نظر الاستراتيجية الإعلامية، ليس من الممكن أن يبدو التباين بين زعماء البلدان العربية وأسامة بن لادن على نحو أكثر وضوحاً من ذلك. فمن ناحية، يبدو الملوك والرؤساء العرب الذين يفتقرون إلى الجاذبية الجماهيرية في هيئة العاجزين سياسياً الذين نادراً ما يُبدون أي قدرة على التواصل مع القضية الكبرى التي تشغل شعوب الشرق الأوسط.

ومن ناحية أخرى، يبدو أسامة بن لادن قادراً على أسر انتباه الناس وتصوير الإحباط الواضح الذي يعيشه العديد من العرب، باستخدامه للغة العربية الفصحى، بما في ذلك تلاوة أبيات من الشعر العربي القديم. وهو يتعمد إبراز صورته في هيئة الزعيم الذي يتحدث صدقاً، وينقل إلى الناس إيديولوجية قوية تبين بوضوح الشعور بالإذلال الذي يعيشه المسلمون اليوم، ويعرض خطة عمل لعلاج الموقف.

إن الثقافة العربية تُـعلي كثيراً من قيمة التعبير الشعري، وليس من قبيل المصادفة إذن أن يظهر الشعر العربي على نحو متكرر في دعاية تنظيم «القاعدة». فكثيراً ما يتلو أسامة بن لادن الشعر لتسليط الضوء على نقطة ما وربط نفسه بالمحاربين المتعلمين الذين اتسموا بالشهامة والرغبة الصادقة في الاستشهاد في سبيل كرامة الإسلام ومجده. وهذه بعض الأبيات من ذلك النوع من الشعر الذي يستخدمه تنظيم «القاعدة» في الدعاية:

أنا لا أبيع شرفنا كالقوادين

ولا أخفض نظري نحو الأرض أو أستسلم

فأنا أرى جيش الصليب على أرضنا

يغزو العراق ويمرغ وجوهنا في التراب.

وأنتم يا مَنْ تطلبون مني أن أتخلى عن جهادي،

وأحيا حياة الراحة والرغد،

وفروا جهدكم، فلن أتخلى عن الجهاد بينما جماعتكم

تحمل سكيناً مسموماً؛

كلا، لن أتخلى عن الجهاد

بينما تهاجمنا صلبانهم في دجى الليل،

فتلوث الجزيرة المقدسة، وتعلن ترسيخ الأمن

بينما تقيد رسغيّ بالأغلال.

إنه لمن الصعب أن أدرك المغزى من هذه المادة الأدبية، وفي بعض الأحيان أجد صعوبة في فهمها بسبب أسلوبها العتيق، فضلاً عن استخدامها للتلميح والاستعارة والمجاز. إلا أن شعر «القاعدة» يستحق قدراً أعظم من الاهتمام، وذلك لأنه يخدم كوسيلة للتواصل بين أفراد الحركة.

بل إن تنظيم «القاعدة» يستخدم الشعر في توضيح المغزى من أن يكون المرء عضواً في الحركة، ويحتفل بذكرى الأحداث المهمة في تاريخه بتمجيد مآثر «الشهداء». ورغم أن الكثير من هذا الشعر ليس بالضرورة ذا نوعية جيدة، فإنه يسلط الضوء على الصورة التي يرغب تنظيم «القاعدة» في إبرازها، والتي تتلخص على وجه التحديد في أن رسالة التنظيم صادقة وتعكس «الإسلام الحقيقي».

كما يستخدم تنظيم «القاعدة» الشعر في التعامل مع التحديات التي تواجهه، فمن خلال إظهار المفارقة بين شجاعة مقاتلي التنظيم والتزامهم و«الراحة» التي يعيشها المتفرجون من المسلمين، يحاول تنظيم «القاعدة» حشد المزيد من المقاتلين لنصرة قضيته في العراق، والحقيقة أن المعضلة التي يواجهها التنظيم في العراق صارخة، فقد ألحق الشيعة من أتباع جيش المهدي الهزيمة بالسُـنّة في العراق في آخر جولة من جولات القتال الدائر بين الطائفتين، فضلاً عن ذلك فقد انحاز الآلاف من السُـنّة العراقيين تحت راية ما أطلق عليه «حركة الصحوة» إلى صف الولايات المتحدة وحاربوا ضد تنظيم «القاعدة».

بالإضافة إلى ما سبق فقد أكد العديد من علماء السُـنّة أن إيديولوجية تنظيم «القاعدة» وتكتيكاتها غير شرعية على الإطلاق، وأن المسلمين ينبغي عليهم أن يمتنعوا عن الجهاد وأن يظلوا مطيعين لحكامهم. ويستخدم التنظيم مصطلح «القاعدين» لوصف هؤلاء الذين لم ينضموا إلى جهاد «القاعدة». ويريد أسامة بن لادن بهذا أن يُـشعِر هؤلاء بأنهم آثمون، فيستخدم الشعر لمهاجمة رجولة الذكور المسلمين ويتهمهم بخسارتهم لشرفهم لأنهم لا يدافعون عن الإسلام.

هذا هو المحور الذي تدور حوله جاذبية أسامة بن لادن: البلاغة في تفصيل الشعور العميق بالظلم والمهانة الذي يستشعره العديد من العرب والمسلمين اليوم. ورغم أعمال العنف كلها التي ارتكبها تنظيم «القاعدة» حتى اليوم، فإن أسامة بن لادن يعتمد أيضاً على القوة «الناعمة»، فيسوق الحجج بشأن الظلم، وهي الحجج التي تجد صدى بين جماهيره. وهو الممر الذي يجد نفسه ملزماً السير فيه بين طرفي النقيض، الجهاد والطاعة العمياء لحكام الشرق الأوسط المستبدين، قبل أن تبدأ رسالة تنظيم «القاعدة» في فقدان بعض بريقها.

* برنارد هايكل ، أستاذ دراسات الشرق الأدنى في جامعة برينستون.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»