حين نتحدث كمواطنين عن وطننا ومجتمعنا، نتحدث دائما بفخر واعتزاز وشموخ، ولنا الحق في ذلك، فرغم صغر مساحة هذا الوطن جغرافياً فإنه كان دوما كبيراً في تاريخه وفي عطاء أبنائه وطيب حكامه، وشعبه شعب خير كريم، معطاء، معروف بحبه لفعل الخير، ومساعدة المحتاج، ونجدة المنكوب، ونصرة المظلوم أينما كان، لسنا مجتمعاً ملائكياً بالطبع، فلدينا الكثير من المساوئ والعيوب والأخطاء حالنا في ذلك حال أي شعب من شعوب العالم، لكننا بالتأكيد لسنا مجتمعا شيطانيا كريها كما أصبح يتصور البعض ذلك، بسبب ما صنعه ويصنعه باستمرار البعض من أبناء هذا الوطن!
فللأسف الشديد، يصر بعض المنتمين إلى الوسط الفني على تشويه صورة هذا الوطن أو المجتمع كل عام، دون أدنى إحساس بالمسؤولية، ومن أجل الحصول على حفنة من النقود، ففي كل رمضان يتكرر المشهد المؤسف حين تهل علينا الكثير من المسلسلات والبرامج التلفزيونية الهابطة والخالية من أي مضمون إصلاحي أو نقدي، والتي تظهر المجتمع الكويتي للعالم من حوله، وكأنه مجتمع مجرد من القيم والأخلاق والمبادئ، تسود بين أفراده شريعة الغاب حيث يلتهم القوي الضعيف، ويدوس الغني الفقير، ويتملق صغار القوم كبارهم، وتتوزع الأدوار العائلية على النحو التالي، الأب مدمن، الزوجة ساقطة، الابن «صايع»، البنت شاذة... وهلم جرا، عائلات مفككة ومجتمع منحل وشخصيات تمتلئ بالحقد والحقارة والخباثة منذ بداية المسلسل حتى نهايته، عدا شخصية أو اثنتان يتم حشرهما خصوصا من أجل المشهد الختامي، حين «يطلع» كلامهما صحيح في نهاية المسلسل بطريقة ساذجة وسطحية للغاية!تشويه بالغ وتوغل في الإسفاف والإساءة لهذا المجتمع، والحقيقة مرة، ندركها جميعا ونتعامى عنها مع أنها تسفر عن وجهها القبيح كل مرة، فهذه المسلسلات «الكويتية» لا تمثلنا سوى بالاسم فقط، فـ90% ممن يكتب ويخرج ويمثل في هذه المسلسلات هم من جنسيات خليجية وعربية، ولذلك، فلا «شرهة» عليهم إن لم يبالوا بما تصنعه هذه الأعمال من تشويه لمجتمعنا ووطننا، لأن «الشرهة» على من أنتج هذه المسلسلات أو شارك بها أو عرضها على قناته الخاصة من أبناء هذا الوطن، فهل أعمى المال قلوب أهل الفن لهذا الحد حتى لم يعد أحدهم يكترث بشيء سوى الربح المادي، حتى إن كان الثمن سمعة هذا الوطن وأهله؟!أمر مؤسف حقا، فتحت وهم معالجة المشاكل أو الظواهر الاجتماعية يتم اغتيال جيل بأكمله من المشاهدين الأطفال والمراهقين ممن يتابعون مسلسلات «الرفس والطراقات والسحر والشعوذة والهبل» لينطبع في أذهانهم أن العنف وحده هو الحل الأمثل للمشاكل الأسرية، وأنه لا بأس من رفس الأخت، وصفع الزوجة، وتطويل اللسان على الأم والأب، وكأنه أمر عادي وطبيعي جدا، كما تغرس في رؤوسهم الخرافات حتى يتصور أحدهم أن أي تغير في سلوك الإنسان يكون سببه «عمل» وضعته مشعوذة له في «مجبوس الدجاج»!التلفزيون، أيها السادة، أقوى وسائل الإعلام تأثيراً، وعلى من يتعامل معه أن يكون حذرا جدا، لانعكاساته على سلوكيات الأفراد ومنهجية تفكيرهم وعلى الانطباع المأخوذ عن هذا المجتمع أو ذاك، ولذلك، يجب أن يتولى أمر هذه الصناعة أناس على درجة كافية من الثقافة والوعي والإدراك، سواء في مجال الكتابة أو التمثيل أو الإخراج أو الإنتاج، ومن الضروري أن تكون هناك لجنة فنية متخصصة تراقب هذه الأعمال، وتتكون من الفنانين الكبار الذين لهم باع طويل في عالم الفن، فلا تجيز سوى الأعمال الممتازة التي تحمل فكراً راقيا ومعالجة صحيحة للمشاكل أو الظواهر الاجتماعية، وترفض أي عمل دون المستوى هدفه الإثارة وتهويل وتضخيم المشكلات دون وضع حلول لها!ويجب علينا كمشاهدين أن نقاطع أي عمل هابط غايته الإسفاف والتهريج وتشويه صورة المجتمع الكويتي، وأن نرفع مستوى الوعي لدى أبنائنا الذين يتابعون الأعمال الرمضانية وذلك بإرشادهم وتنمية رقابتهم الذاتية وبأهمية دورهم كمشاهدين في النقد البناء، من خلال التحاور معهم عن السلبيات التي يلحظونها في هذه الأعمال وتبيان أثرها عليهم، لأنهم المتضرر الأكبر من هذه الغثاءات الفنية المتكررة في كل رمضان، والتي على ما يبدو أنه لا أحد سيضع لها حداً!أعاننا وأعانكم الله على ما ابتلينا به... وكل عام وأنتم بخير.
مقالات
كيف تسيء إلى وطنك في 30 يوما؟!
30-09-2008