يفتتح غدا دور الانعقاد الجديد لمجلس الأمة الذي يتوقع له أن يكون ساخنا ومليئا بالمفاجآت التي ربما تعيدنا إلى المربع الأول... وكأننا نخرج من أزمة لنقع في أخرى أكثر عمقا. ورغم الكلام المستهلك عن ضرورة التعاون بين السلطتين، فإن الأزمة السياسية مستمرة لا ينكرها إلا مكابر أو جاهل .
قد يختلف تفسير أسباب الأزمة وكيفية الخروج منها من طرف سياسي إلى آخر، ولكننا نستطيع أن نلخص ما يطرح من آراء حول كيفية الخروج من أزمتنا السياسية الراهنة في ثلاث وجهات نظر رئيسية، حيث يرى أصحاب وجهة النظر الأولى ضرورة «نسف» النظام الدستوري الديمقراطي برمته والانقلاب عليه لإعادة الأوضاع السياسية إلى شيء شبيه بما كان عليه الوضع السياسي قبل دستور 1962. وقد نجح أصحاب هذا الرأي مرتين في الانقلاب على النظام الديمقراطي وذلك في عامي 1976 و1986، ولكن التجربتين الانقلابيتين أثبتتا الفشل الذريع للأفكار التي يسوق لها أصحاب مبدأ العودة إلى الوراء، ويعرف الشعب الكويتي جيدا ما ترتب على هاتين التجربتين من نتائج «كارثية». بالإضافة إلى ذلك، فإن المتغيرات الداخلية والخارجية تجعل الوضعين السياسي والاجتماعي غير مهيأين إطلاقا في هذه المرحلة لقبول فكرة الانقلاب على الدستور والانفراد بعملية اتخاذ القرار. بينما يرى أصحاب وجهة النظر الثانية ضرورة الاستمرار على الوضع السياسي الحالي نفسه مع إجراء بعض التعديلات الطفيفة متى ما «سمحت» الظروف السياسية بذلك. ومن الواضح جدا أن هذا الطرح يواجه مآزق حقيقية والدليل على ذلك ما نمر به منذ سنوات من أزمات سياسية متعددة نتج عنها الحل الدستوري المتكرر لمجلس الأمة. علاوة على أنه في ظل وجود الظروف السياسية الحالية، فإن إعادة الانتخابات، فيما لو تم حل مجلس الأمة حلا دستوريا جديدا مثلا، ستعيد إنتاج الأزمة نفسها، وربما بتعقيد أكثر قد يهدد وجود النظام الديمقراطي ككل لأنه سوف يساعد ويدعم وجهة نظر دعاة الانقلاب على الدستور والتخلص النهائي منه.وعلى الجانب الآخر، فان أصحاب وجهة النظر الثالثة، التي نتفق تماما معها، يرون أن الحل الجذري للأزمة السياسية المستمرة لن يكون إلا من خلال إصلاح النظام الديمقراطي تحت سقف دستور 1962 الذي أرسى الأسس المتينة للدولة الدستورية الحديثة. فقد جرّبنا من قبل ما تدعو له وجهتا النظر السابقتان وها نحن لانزال نراوح في مكاننا إن لم نتراجع إلى الوراء على المستويات كافة. كما أن التاريخ يثبت لنا أنه لا يمكن للنظام الديمقراطي أن يستمر من دون إصلاح سياسي مستمر وتطوير للآليات الديمقراطية وتجديد للوضع القائم من خلال استشراف أفق المستقبل والأخذ في الاعتبار المتغيرات المجتمعية المتجددة باستمرار والتطورات العالمية السريعة وروح العصر التي تنادي بالمزيد من الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.ولكي نخرج من الدوران في الحلقة نفسها ونضمن استمرارية وفعالية نظامنا الديمقراطي، لابد من القيام بعملية إصلاح سياسي شامل يهدف إلى تجديد وتطوير نظامنا الديمقراطي في الإطار العام لروح ونصوص دستور 1962 الذي يجب أن يطبق كاملا، وإن لم يتحقق ذلك فإن الأزمة السياسية ستستمر، وهي في الأصل عرضة للانفجار في أي لحظة.
مقالات
الأزمة... والإصلاح السياسي
20-10-2008