من الطبيعي أن نظل نسمع، حتى اليوم الأخير من عهد بوش وكذلك من عهد أولمرت، أن الخيار العسكري ضد طهران هو على الطاولة، ذلك لأن هذا الكلام هو جزء من المعركة القاسية والمُرّة التي يخوضها الطرفان في الداخل أكثر مما يخوضانها في الخار ج!.لا أحد من العقلاء لا في إيران ولا في أي مكان في العالم، يصدق أن إسرائيل أو أميركا بصدد ضرب إيران، والسبب لا يكمن ليس في نقص القوة التدميرية الضاربة لدى الطرفين اللدودين لهذا البلد، وليس لأن إيران تستطيع أن تنزل الهزيمة الماحقة بهما، كل ما هنالك أن اللحظة التي تلي الضربة أو اليوم التالي للهجوم غير معلوم لدى أجهزة العدو المعنية بتقدير الموقف الذي سيكون عليه العالم- وليس الإقليم فحسب- بعد الضربة التي يُروّج لها هذه الأيام من جديد على خلفية مناورات الطيران الحربي الإسرائيلي الواسعة النطاق.
فإيران ليست عراق 2003 قطعاً، وإيران ليست سورية أيضاً، بل حتى ليست كوريا الشمالية، لا من حيث سياق الملف النووي، ولا من حيث الموقع الجيو- سياسي أو الجيو- استراتيجي، ولا حتى من حيث تنوع الخيارات المتاحة للرد أو القوى الدفاعية المتوافرة. الأميركيون والإسرائيليون يعرفون أكثر من غيرهم أن أي ضربة لإيران في ظل موازين القوى الإقليمية والدولية الراهنة، وفي ظل الاصطفافات الراهنة في الإقليم كما في المجتمع الدولي، وكما في ظل الوضع الانتخابي الأميركي الداخلي، لا تعطي الفرصة أو الإمكانية المريحة لأي من الطرفين الحليفين المحرضين على إيران، اللجوء إلى الخيار العسكري.
نعم، لكن كل ما سبق هو في الوقت نفسه سبب ملح، يجعل من التحريض على إيران وإبقاء التسخين ضدها مفتوحاً على مدى الأشهر الخمسة أو الستة المقبلة أمراً لابد منه إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الوضع الداخلي في كل من أميركا وإسرائيل- كحد أدنى- في الحساب.
فليس مقبولاً أو معقولاً لمَن ظل يحرّض على ما سماه بـ«البنك المركزي للإرهاب» طوال السنين الماضية أن يتوقف فجأة عن التحريض ضد هذا البنك المركزي، أو أن يتركه وشأنه في لحظة المنعطف، أي أن يمضي نهائياً ويغيب عن المسرح الدولي إلى أمد غير محدود، أو أن يمرر، ولو لدورة واحدة إضافية، رئيساً جمهورياً يعمل لحساب معسكره المتكسر في أكثر من ساحة هي في الحد الأدنى من ساحات النزال التي ساهمت طهران في أن تُحسم لغير مصلحة مشروعه العالمي.
وليس من المعقول أو المقبول لمَن ظل يحذِّر من الخطر الإيراني على الأمن والاستقرار الإقليميين، طوال السنوات الماضية أن يسكت عن الأمر الآن في لحظة التسويات المُرّة التي تُفرض عليه في أكثر من ساحة هي، على أقل تقدير، جزء من الصراع الشامل مع العدو الأخطر على وجوده أي إيران، كما ظل زعماء الكيان الصهيوني يرددون.
إذن من الطبيعي أن نظل نسمع حتى اليوم الأخير من عهد بوش، وكذلك من عهد أولمرت، أن الخيار العسكري ضد طهران هو على الطاولة، ذلك لأن هذا الكلام هو جزء من المعركة القاسية والمُرّة التي يخوضها الطرفان في الداخل أكثر مما يخوضانها في الخارج.
لكن الهجوم على طهران الآن بالذات يعني القضاء على جهود التهدئة والتسويات كلها في الساحات جميعاً، والأهم من ذلك خسارة الأمل الأخير في احتمال استمرار خيار كل من بوش أو أولمرت السياسي في سدة الحكم، ومن ثم في المسرح الدولي بالوكالة، فضلا عن استحالة ذلك بالأصالة.
لذلك كان مفهوماً أن يتحدث أحمدي نجاد، وبثقة المنتصر، بأن الضربة التي لطالما تردد بوش أو فشل في توجيهها إلى إيران بسبب مخالفة كبار مستشاريه والعسكريين من طاقمه بشكل خاص، انما سيأخذها معه بكل مرارة إلى القبر، إنها الأيام الحاسمة والأشهر الأصعب والأثقل في ما بقي من عمر بوش الافتراضي، فضلا عن عمر أولمرت الأكثر مرارة، فهل يقترع القدر لمصلحة أحمدي نجاد فعلاً؟!.
*الأمين العام لمنتدى الحوار العربي- الإيراني