فن علم الحرب

نشر في 05-10-2008 | 00:00
آخر تحديث 05-10-2008 | 00:00
No Image Caption
تأليف: منير شفيق

الناشر: الدار العربية للعلوم

منذ أن كان الإنسان، يسعى تحت الشمس والحرب طريق الأقوى الى السيطرة على الأضعف. تعدّدت أسباب الحروب عبر التاريخ، وإذا كان الرغيف أوّلها فليس الدين آخرها. شكّل الاستعمار والتوسّع هدف الأمم الكبيرة على حساب الأمم الفقيرة المستضعفة وعلى رغم إنشاء الأمم المتحدة، أوّل مؤسسة عالمية لصيانة الأرض وحمايتها من الحروب، لا تزال الدنيا محمولة على بحيرة دم والأمم المتحدة ليست أكثر من مخفر دولي ومحكمة دوليَّة تتأثّر مباشرة بنفوذ الدول القويَّة.

في هذا السياق يرد كتاب «فنّ علم الحرب» لمنير شفيق الذي أراده عنصراً مساعداً لحركات المقاومة العربيَّة ذات القضايا المحقّة والعادلة، ولأنظمة الدول العربية التي ربما يهمها التصدّي لأيّ عدوان يستهدف شعوبها وأراضيها. ميّز شفيق بين نوعين من الحرب: العادلة وغير العادلة. الحرب الموصوفة بالعدل هي التي تأتي في سياق الدفاع المقدّس عن الأرض، أمّا حرب اللاعدالة فهي التي تأتي استجابة لطموح توسّعي للاستيلاء على الأوطان الضعيفة وسلبها خيراتها وحريَّة أهلها. استرسل المؤلّف في الحديث عن الحرب بين العلم والفنّ وأشار الى مواضيع كثيرة تثبت الحرب علماً لا يقبل الشك، له أسس ومبادئ وعدة وعديد، كذلك فإنها فنّ طوّرته مبادرات فرديَّة عبر التاريخ، وفنّ الحرب لا ينفصل عن علمها فهما يتكاملان الى حدّ بعيد، ليغدو الفنّ مضيفاً الى العلم قدرات مجدية تميّز جيشاً مقاتلاً عن آخر.

قوانين

خلاصة القول إن الحرب علم من ناحية وفن من ناحية أخرى، وفنّ الحرب قائم على وحدة عضويَّة ورابط إبداعي بين النظرية والتطبيق، والكتاب يقدّم الحرب علماً بهدف إظهار الأسس والقوانين الاستراتيجية والعمليّات والتكتيك عموماً، إضافة الى إظهار فنّ الحرب تطبيقاً.

الاستراتيجيَّة: تتناول، بحسب رؤية المؤلّف، دراسيَّا علم الحرب على مستوى التخطيط الاستراتيجي، والعمليات الاستراتيجية شاملة قواعد علم الحرب والتكتيك والتخطيط التكيكي. تطوّر مفهوم الاستراتيجية عبر الزمن الى أن أصبح «يعني الحرب الكليّة»، الأمر الذي يدعو الأمّة الى ضرورة التعبئة وتنظيم مصادرها استعداداً لخوض حرب هي لمصلحة الأمَّة.

تكتيك

لكنّ هذا المفهوم للاستراتيجية استمر نظرياً فحسب، لأنه تجسيد لوجهة نظر بورجوازية في الحرب حين كانت أوروبا أسيرة الإقطاعية. يستنتج شفيق في نهاية الفصل الأول أن الاستراتيجية تبدأ من الهدف وصولاً الى تحقيقه وتسخّر التكتيك لها. يحتاج كلّ حديث عن الاستراتيجية الى تحديد الهدف ومعطيات الزمان والمكان وموازين القوى، والى تعريف الاستراتيجية وتحديد سماتها وقوانينها... ويبقى الجانب الأهمّ وهو التنفيذ المباشر الذي يحتاج دائماً الى قيادات وكوادر كفوءة.

الاستراتيجيَّة النووية والقواعد الأساسية في علم الحرب: السلاح النووي لا مجال لمقارنته بأيّ سلاح تقليديّ، وهو ذو وظيفة هجوميَّة من حيث المبدأ، فصفة المرونة لا تمتّ إليه بصلة ويجب الاعتراف بأنّه «أفقد قيمة الدفاع في الحرب الى حدّ بعيد»، وبأنّ استراتيجية الأسلحة النووية غيرت استراتيجية الأسلحة التقليدية. تجدر الإشارة الى أن ثمة أربع مراحل للتوازن النووي بين الاتحاد السوفياتي سابقاً والولايات المتحدة الأميركية وذلك من عام 1945 الى عام 2008، وبعد عام 1960 تمّ التوازن النووي والصاروخي بين الجبّارين ليبدأ الأميركيون يفكرّون باستراتيجية الضربة الأولى، وإن سقط الاتحاد السوفياتيّ فالسلاح النوويّ باقٍ في يد روسيا.

أمّا عن القواعد الأساسية في علم الحرب فإن كل طرف يسعى الى الحفاظ قدر المستطاع على قوته العسكرية وإلحاق الهزيمة بالطرف الآخر.

في هذا المجال يشير شفيق الى أنّ استراتيجية العمليات أيام المصريين واليونان والفرس والرومان ذات معنى أكبر من المعنى الذي وصلت اليه في عصر الإقطاع الأوروبي. إذ رمت الاستراتيجية القديمة الى تدمير الجيش المقابل ونزع سلاحه وضمّ أرضه الى سلطة الجيش الذي حقّق الانتصار. كان لاستراتيجية المناورة قبل الحرب الحيّز الأكبر. يخلص المؤلّف في نهاية الفصل الثاني الى القول إن اكتشاف القوانين الخاصة التي تحكم كل حرب هو مفتاح التطبيق الصحيح، وهنا دور العقل في التحليل والتقدير واعتماد المناسب.

التكتيك: رأت معظم الآراء التكتيك مقابلاً للاستراتيجية التي تختار بدورها التكتيك المناسب، فهو الى حد بعيد فنّ استخدام الآلة العسكرية والمقاتلين وتوجيه الحركة في المعركة، لأن «تحريك السلاح وتشكيل القوات وتحريكها» مصدر أساسيّ لزخم المعركة وحيويتها. لا بد من التمييز بين التكتيك جواً وبحراً وأرضاً. استطاع المغول والعرب، على مستوى الشرق، الإبداع في فن المناورة التكتيكية والمناوشة. مع بداية القرن التاسع عشر ونتيجة للثورة الصناعية والعلمية، أمسى الارتكاز على كثافة النيران عنصراً أساسياً في أي تكتيك حربي، لتأتي الحرب العالمية الأولى والثانية وتعطيان نتائج في غاية الأهمية على مستوى التكتيك القتالي حيث للطيران وظيفة رئيسة.

الحرب الباردة

مرحلة الحرب الباردة وما بعد انتهائها: تجلّت تلك المرحلة من خلال تحكّم دولتين عظميين بالعالم تزامناً مع الاحتفاظ بتوازن رعب نوويّ. أثبتت حرب فيتنام أن الدفاع استمرّ ممكنًا على رغم حضور سلاح الطيران وفاعليته من خلال الاعتماد على استثمار الأرض مخابئ وتمويهاً لا يمكن لأعين الطائرات رصدهما بسهولة. لم تكن الحرب بين أفغانستان والسوفيات بعيدة من حيثيّات الحرب الفيتنامية الأميركية. يُشار الى أن منجزات التكنولوجيا الحديثة من كمبيوتر وإنترنت وشرائح دقيقة... كلها تطوّرت في ظلال المؤسسة العسكرية، لا سيما الأميركية، وما يطرح للاستعمال المدني بينه وبين الجيل التكنولوجي الجديد ما لا يقلّ عن عشر سنوات. ما بعد الحرب الباردة، صار للتكنولوجيا التي أنجبت الكمبيوتر والرقميات والشاشة البلازميّة أثر مباشر على أسس علم الحرب مع تخطيّ معظم القواعد الكلاسيكية.

برزت في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة ظاهرة الحرب وسط الشعب أو ما يسمى حروب المقاومة الشعبية (أفغانستان ـ العراق ـ لبنان ـ فلسطين). الاستنتاج العام هو أن الدفاع والهجوم يتجاذبان لعبة الحرب كلها، فكلّما «تقدّم الهجوم خطوة يتوجّب على الدفاع أن يجد ما يبطلها».

بين نابليون والفتوحات الإسلامية: أدّت الشجاعة الدينية التي وقفت خلف انتصارات المسلمين في الفتوحات الأولى الى إغفال الفن العسكري آنذاك. يرى المؤلف شفيق أن الفنّ العسكري لمسلمي الفتوحات الأولى كان على تطوّر كبير يعكس وجود الاستراتيجية والتكتيك على أعلى درجة. أقام شفيق مقارنة بين حروب نابليون وحروب المسلمين الأوائل لأن نابليون يشكّل «نقطة الانعطاف التاريخية في فنّ الحرب»، وهو صاحب «التكتيك الكبير». أساس الحرب المتحركة هو القاسم المشترك بين نابليون القائد وقادة المسلمين العسكريين مع الفارق الهائل بين السلاح البدائي في يد المسلمين زمن الفتوحات والسلاح المتطوّر نسبياً في أيد نابليونيّي الحروب.

«فن علم الحرب» رحلة طويلة من حرب الى أخرى، هدفها رصد التغيّرات في عالم علم الحرب وفنّها وإظهار مهارة العرب والمسلمين في القتال قديماً وحديثاً. لعلّ حركات المقاومة الإسلامية والعربية أنظمة وشعوباً تجد في الكتاب ما يساعدها في لعبة المواجهة المستمرَّة.

back to top