طالبني البعض بالكتابة- مرة أخرى- عن الانتخابات الفرعية التي تقيمها القبائل أو ما تسمى بالفرعيات أو التشاوريات كما يحلو للبعض تزويقها وكسوتها بطبقة من السكر لتصبح سهلة البلع شرعا من باب «وأمرهم شورى بينهم»!

Ad

لكن، سيظل مصطلح «التشاوريات» الذي تم اختراعه لا يغير من الحقيقة شيئا ولن يزخرفها فيغير من صورتها.

الفرعيات ممنوعة ومجرمة بحكم قانون واضح وصريح، وهذه كافية بحد ذاتها، ولكن إن أردنا أن ننظر كذلك بعيون الشريعة، فهي أيضا لا تجوز شرعا لمخالفتها قانون البلاد الذي هو قانون ولي الأمر الذي تجب طاعته، وإن كان لدى أي من المتخصصين الشرعيين من أحبتنا أبناء القبائل قولا غير هذا فليكرمنا به وله منا أن ينشر في هذه الزاوية!

لكنني، إن كنت قد ذكرت ما ذكرت، لا أجد في نفسي نفس الحماس الذي كنت أجده في السابق للحديث عن الفرعيات ورفضها. لم تتغير نظرتي ناحية الموضوع ولا شك، فمازلت عند قناعتي برفضها، إلا أنني فقدت الحماس والرغبة في التصدي لها. ستقولون لماذا؟ وسأقول لكم:

سأقول بأنه لم يرجع علينا، نحن أبناء القبائل الذين امتلكوا الجرأة لرفض الفرعيات بصراحة، من هذا الرفض إلا الأذى أو المرارة والصداع على أقل تقدير.

نرفض الفرعيات ونتحمل الضغط المجتمعي من أبناء عمومتنا وأهلنا وقسوة السباحة عكس التيار في مجتمع قبلي لا يرحم ويرفض ما نقوله جملة وتفصيلا، ويصل الأمر ببعض أفراده إلى التشكيك فينا وفي انتمائنا كذبا وزورا وبهتانا، فنجد في الناحية الأخرى حكومة غير جادة ومتناقضة في تطبيق القانون، بل يتناهى إلى مسامعنا بأنه قد تعود عنه فتوافق على تغييره!

نرفض الفرعيات ونرفض مخرجاتها، فيتناهى إلى علمنا أن أفرادا في السلطة قد شاركوا في الزج بأسماء مرشحين فيها ودعمهم. نقف ضد الفرعيات ونرفض مخرجاتها فنجد الحكومة تتحالف مع النواب الذين خرجوا من رحم هذه الانتخابات وتدعمهم في انتخابات لجان مجلس الأمة ومناصبه! نرفض الفرعيات ونقف ضد مخرجاتها فنجد هؤلاء الذين وصلوا عبر بواباتها من أكثر النواب قدرة على تمرير المعاملات والواسطات في وزارات الدولة ودوائرها. نرفض الفرعيات ونقف ضد من نتجوا عنها، فلا نجد أحدا منهم قد تم تجريمه أو إبطال عضويته في البرلمان. نرفض الفرعيات فنجد القوى السياسية لا تتورع عن احتضان مخرجاتها وجعلهم أعضاء فيها!

لذا، وفي ظل كل هذا، فأي حماس سيبقي عندنا؟ بل أي رغبة في الوقوف ضدها ستظل مشتعلة في نفوسنا؟ يا سادتي، نعم قد نبقى نقول إن الفرعيات خطأ ولا تجوز، ولن نشارك فيها على الإطلاق، ولكن لا أظن أن من وراء كل هذا فائدة!

***

طبعا وكالعادة دائما، سيخرج أحد الظرفاء ليقول إني شاركت يوما بالفرعية وجئت اليوم لأنقلب عليها، وسأقول بألا عيب في أن يخطئ الإنسان، ولكن العيب كل العيب أن يستمر في الخطأ حتى عندما تتبين له الحقيقة.

أنا بريء من هذه الممارسة غير القانونية، غير الشرعية في قناعتي، وأسأل الله أن يغفر لي ما قد كان.