Ad

على مؤسسة الحكم تقديم تعديلاتها ورؤاها حول الدستور بشكل رسمي لمجلس الأمة، وإطلاق حوار وطني لدستور «جديد» يأتي من رحم الدستور الحالي ووفقاً للآليات التي حددها، وقد يضعنا هذا الدستور الجديد على سكة أسلم لتطور البلاد ومؤسساتها.

بغض النظر عن الآراء المختلفة حيال الاستجواب الثلاثي المقدم لسمو رئيس الوزراء، أو الاستجواب الأحادي الذي سبقه من النائب أحمد المليفي، فإن الحديث حول «الحل غير الدستوري» أقل ما يوصف به أنه مزعج، وهذا الإزعاج يأتي لأنه يكشف عن قناعة راسخة لكل من يتحدث حول هذا «الحل» بعدم وجود إيمان بدستور 1962... وهذا موضوع يتطلب تفكيرا عميقا لما يحمله.

إذا كان هناك إيمان بعدم صلاحية دستور 1962 فهذا يتطلب حوارا وطنيا شبيها بحوارات المجلس التأسيسي، فلا يستوي أن «نطنطن» ونحتفل بوجود الدستور، ونتفاخر به أمام الآخرين، لكن نكتفي باللجوء إليه متى ما أراحنا ذلك، فيما نتخلى عنه في ظروف أخرى... فلا معنى للدستور إذا كانت هناك خطوط حمر أتاحها، ولا تتيحها «الظروف».

ولعل عدم الإيمان الراسخ بالدستور يتطلب حواراً حول قناعة الأطراف المعنية به. فما الفائدة من دستور حبر على ورق وتمنع تطبيقه خطوط حمر، خطوط وضعها حتى ممثلو الأمة المفترض أن يكونوا حماة للدستور بعد ابتداع ما أشار إليه الكاتب عبداللطيف الدعيج بـ«ثوابت الأمة» التي يتم بموجبها مصادرة حرية التعبير، أو خطوط تمنع تطبيق أدوات الدستور، وهو أمر- أشرنا إليه مراراً- يمنع حتى فكرة التطور الديمقراطي في البلاد، وإذا كانت هناك رؤية في أن سمو رئيس الوزراء سيكون في أحد الأيام أميراً للبلاد، فلماذا الزج به في منصب يحمل مسؤوليات وتبعات قد تودي بصورته وهيبته، حتى إن كانت- في العديد من الأحيان- مقصودة؟ فمنصب رئيس الوزراء منصب سياسي بحت، معرض للمساءلة السياسية، وفق الدستور، وإن كان ذلك خطاً أحمر فما هي الخطوط الحمر الأخرى التي لا نعلم عنها في دستورنا؟

إن المبادرة تقع اليوم على مؤسسة الحكم لتقديم تعديلاتها ورؤاها حول الدستور بشكل رسمي لمجلس الأمة، وتطلق بذلك حواراً وطنياً لدستور «جديد» يأتي من رحم الدستور الحالي ووفقاً للآليات التي حددها، وقد يضعنا هذا الدستور الجديد على سكة أسلم- وليس بالضرورة أفضل- لتطور البلاد ومؤسساتها، فعلى الأقل ستكون أسس اللعبة السياسية واضحة وفق قواعد نص عليها الدستور وليست هلامية كما هي الآن، فالدستور يقول شيئاً فيما تقضي «الأعراف» السياسية بأمور مختلفة تماماً... وطالما انعدم الإيمان بسطر واحد من مواد دستور 1962، وهو شريعة البلاد، فهذا ينسف -للأسف- الدستور بأكمله، وبما حمله من مقومات تكفل الحكم ومشاركة الشعب به، وطالما لم تكن «قواعد اللعبة» واضحة، فالأفضل أن نكتب قواعد جديدة للعبة السياسية يرتضيها الجميع.