أحد الكبار

نشر في 06-10-2008
آخر تحديث 06-10-2008 | 00:00
 محمد سليمان رغم الإحباط والجمود وتغلغل الفساد، لم تخل بلادنا من الكبار المخلصين لها والحالمين بتقدمها وقد كان المشير أبو غزالة، الذي رحل في أوائل سبتمبرالماضي بعد انسحاب طويل من الحياة السياسية، واحدا من هؤلاء الكبار. فالرجل لم يكن فقط وزير دفاع سابقا ورمزا من رموز العسكرية المصرية وضابطا خاض حروبنا كلها فحسب، بل كان مثقفا ومفكرا مسكونا بهموم وطنه وأمته، أيضا. وكان انشغاله بهموم التحديث وتغيير الواقع والانفلات من أسر الجمود والتخلف سببا لانكبابه على البحث والتأمل والتأليف وترجمة كتب ذات قيمة معرفية ومعلوماتية عالية جعلت منها مراجع أساسية في علوم الاستراتيجية والأمن القومي. في مقدمة كتابه «العرب والحروب التكنولوجية القادمة»- الصادر عن دار المعارف- يقول أبو غزالة «إننا نعيش الآن عصرا جديدا يمكن أن نطلق عليه عصر المعرفة وثورة المعلومات، ومن يمتلك المعرفة والمعلومات سينتصر في أي صراع اقتصادي أو عسكري جديد، فقد أصبح الذكاء البشري والموارد العقلية رأسمال العالم الأساسية». وفي نهاية مقدمته يطرح الرجل سؤآله الكبير «هل نريد أن نكون أقوياء؟» وهذا السؤال كان، على ما أظن، محور حياة الرجل واهتماماته وسبب انشغاله بما يحدث حولنا من تحول وتقدم وإلحاحه من ثم، في معظم كتاباته، على ضرورة التسلح بالمعرفة والعلم والتكنولوجيا لمواجهة الأخطار المحدقة بالعالم العربي من حروب مياه محتملة وتعنت إسرائيلي إلى صراعات متوقعة في منطقة الخليج، لذلك انشغل في كتابه المشار إليه بأهمية التوازن التكنولوجي بين العرب وجيرانهم، مبينا أن هذا التوازن لن يتحقق بشراء واقتناء الأسلحة والمعدات الحديثة وإنما باستيعاب وتوطين التكنولوجيا والتفاعل معها، مؤكدا أن هذا التوازن هو سلاحنا الوحيد لترسيخ الأمن والاستقرار وتسريع التحديث ومعليا في الوقت نفسه من شأن العنصر البشري المسلح بالعلم والمعرفة والقدرة على الابتكار والتطوير.

***

ألف أبو غزالة العديد من الكتب منها «تاريخ فن الحرب- الانتصارات العربية في صدر الإسلام- درع وعاصفة الصحراء- الحرب العراقية الإيرانية- وانطلقت المدافع عند الظهيرة- حرب الخليج والأمن القومي العربي»، وبسبب انشغاله بهموم التحديث والسياسة العالمية وأشكال الصراع في المستقبل ترجم العديد من الكتب من أهمها «1999 نصر بلا حرب» للرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون الذي يعتبر واحدا من أكبر مهندسي السياسية الخارجية الأميركية ومن أبرز مفكريها وذلك بفضل خبرته الطويلة في العمل السياسي الخارجي قبل وصوله إلى البيت الأبيض وبفضل قدرته على توظيف مجموعة من كبار المفكرين والخبراء الاستراتيجيين كمستشارين له أثناء رئاسته. والمؤلف يصف كتابه في تعليقه الأخير قائلا «هو نتاج دراسة استغرقت عمرا بأكمله» ومن المهم هنا أن نشير إلى الالتزام الأميركي بمساندة إسرائيل كأحد ثوابت السياسة الأميركية وقول الرئيس الأسبق»إن التزامنا ببقاء إسرائيل التزام عميق... فنحن لسنا حلفاء رسميين وإنما يربطنا معا شيء أقوى من أي قصاصة ورق، إنه التزام معنوي لم يُخل به أي رئيس في الماضي أبدا وسيفي به كل رئيس في المستقبل». تغيير المستقبل هو أحد محاور كتاب «1999 نصر بلا حرب» فالشعوب الحية، كما يقول المؤلف، لا تشبع من النجاح، والإشباع الحقيقي للأمم العظيمة لا ينبع من التغني بإنجازات الماضي وإنما يتحقق بالشروع في تغيير المستقبل.

***

كان من المتوقع أن يهتم أبوغزالة بكتابات الكاتب الأميركي ألفين توفلر المشغول بالمستقبل ومؤلف «سلطة المعرفة- صدمة المستقبل- الموجة الثالثة « وأن يترجم لألفين وهايدي توفلر كتابهما «الحرب وضد الحرب»، والكتاب الذي صدرت ترجمته العربية عام 2000 عن دار المعارف يتحدث عن حضارة المعرفة وثورة المعلومات وعالم المستقبل وحروبه التي تعتمد على التكنولوجيا وتوظيف الأسلحة الذكية «حروب الفضاء والمقاتل الروبوت الذي سيقوم برص الألغام وحراسة الحدود وشل الطائرات والدبابات». وقد كانت حرب الخليج 1991 أول تطبيق عملي لهذه الحرب كما يقول المؤلفان «تم شن حرب من نوع آخر أذهلت العالم منذ اللحظة الأولى لبدايتها حين رأى الصور التي نقلها التلفزيون للصواريخ والقنابل الموجهة وهي تبحث وتصيب أهدافها بدقة مدهشة»، إنها حروب الموجة الثالثة المعتمدة على الذكاء البشري والمعرفة المدمجة في الأسلحة والتي أنهت الحروب التقليدية التي عرفها الإنسان: حروب الموجة الأولى التي خاضها قبل قرون جنود مسلحون بالسيوف والرماح ومدربون على الالتحام, وحروب الموجة الثانية بجيوشها المسلحة بالدبابات والمدافع والطائرات أي الحروب التي لم نعرف سواها. وفي تعليقه على الكتاب يطرح أبو غزالة سؤالا كبيرا آخر «هل سنبقى على ما نحن عليه والعالم ينتقل إلى عصر الموجة الثالثة؟» والسؤال بعد رحيل الرجل لم يزل قائما.

* كاتب وشاعر مصري

back to top