عندما يرفع إسماعيل هنية، رئيس وزراء إمارة غزة، يديه بكفين مفتوحين نحو السماء ويبتهل الى الله ان يحفظ علي خامنئي ومحمود أحمدي نجَّاد وأن يرزقهما ان يصليا في القدس الشريف «صلاة الخلاص»، وعندما يشيد بالإمام الخميني ويصفه بأنه «هذا الرجل العظيم الذي رفع من مكانة الجهاد لتحرير فلسطين»، فإنه في حقيقة الأمر يرد على التصريحات التي أطلقها قبل أيام الشيخ يوسف القرضاوي وندد فيها بالتدخل الإيراني السافر، باسم الشيعة والتشيع، في الشؤون الداخلية لعدد من الدول العربية والإسلامية.

Ad

لقد بقيت «حماس» ومعها «الإخوان المسلمون» تشعر بالارتياح لصمت العالم الجليل فعلاً يوسف القرضاوي عن التدخل الإيراني، الذي تجاوز كل الحدود، في الشؤون الداخلية العربية والإسلامية، وكانت تستخدم مواقفه وتوجهاته استخداماً مصلحياً جائراً ضد أعدائها ومنافسيها في الساحة الفلسطينية، والمقصود هنا هو منظمة التحرير والسلطة الوطنية وحركة «فتح»، فهذا الرجل له مكانته وله تأثيره، وهو باعتداله المشهود بقي يفرض احترامه على الجميع، وبقي يرجح الكفة التي يضع نفسه فيها حتى وإن كان في الكفة الأخرى قوى لها تاريخها الطويل وقدَّمت تضحيات كبيرة على مذبح قضية فلسطين.

كان «الإخوان المسلمون»، وبالطبع معهم ابنتهم العزيزة «حماس» يعتبرون الشيخ القرضاوي قائدهم وملهمهم وحجتهـم المفحمة على معارضيهم ومخالفيهم وأعدائهم الى أن مسَّ «البقرة المقدسة» حلوبة الضرع ووجه الى إيران بقيادة مرشد ثورتها علي خامنئي الانتقادات التي وجهها، فأصبح بعرف بعض رموز هؤلاء وبعض الكتبة والكتاب المحسوبين عليهم مثيراً للفتنة وساعياً إلى زرع بذور الشقاق بين المسلمين، ولاذت هذه «الجماعة» بصمت مريب قبل ان ينتدب إسماعيل هنية نفسه لينطق باسمها وليبتهل الى الله، وهو يرفع يديه عشية عيد الفطر المبارك نحو السماء، ان يحفظ قائد الثورة الإسلامية ويحفظ الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجَّاد.

هناك مثل يقول: «أطعم الفم تستحي العين»، والمؤكد ان القرضاوي عندما تحدث عن القبض والتقبيض في مقابلته لصحيفة «الشرق الأوسط»، التي جدد فيها هجومه على تصرفات إيران وجدد تنديده بعملية التشييع التي تقوم بها في العديد من الدول العربية والإسلامية، كان يقصد جماعات الإخوان المسلمين التي يعتبر نفسه ويعتبره الآخرون أكبر قادتها وأهم رموزها، وكان يقصد حركة «حماس»، كما كان يقصد بعض الكتاب الإسلاميين الذين لم يكتفوا بمعارضة ما قاله بل تعدوا هذا الى اتهامه بالسعي إلى إذكاء نيران الفتنة بين المسلمين ودق أسفين بين الطوائف والمذاهب الإسلامية.

إن المعروف ان «الإخوان المسلمين» لا يعدّون أنفسهم حزباً حركياً إسلاميّاً فقط، بل أيضاً القيمين على أهل السنة المسلمين في كل ديار الإسلام وحيث وُجدوا في هذا العالم المترامي الأطراف، وهذا بالضرورة يقتضي ألا يقفوا هذا الموقف الذي في أحسن الأحوال يمكن وصفه بأنه «موقف اللاموقف»... فالصمت، بعد ان أطلق القرضاوي الذي يحتل منـزلة متقدمة بين علماء الأمة الإسلامية هذه الصرخة التي أطلقها، يُعَدّ موقفاً سلبياً، ثم عندما يرفع إسماعيل هنية كفيَّه نحو السماء مبتهلاً الى العلي القدير ان يحفظ علي خامنئي ومحمود أحمدي نجاد وأن يرزقهما شرف ان يصليا في القدس «صلاة الخلاص» فإن الصورة تصبح واضحة وإن الاصطفاف يصبح بائناً بينونة كبرى!!

* كاتب وسياسي أردني