الحكومات المتعاقبة بقصد أو من دون قصد ساهمت في إذكاء الروح الطائفية لحسابات سياسية وتبعاً لمبدأ فرق تَسُد، ومكنت المتطرفين والطائفيين من الكثير من مواقع القرار وساعدت على تقويتهم وانتشارهم والترويج لأفكارهم ومعتقداتهم، وتقاعست عن فرض هيبة القانون وسلطان الدولة ومظلة النظام العام على الجميع، وها هي اليوم تحصد الشوك وعواقب الفتن!

Ad

الطائفية بخطابها الإعلامي والشعبي وأبعادها السياسية والتعبوية وتبعاتها المباشرة وغير المباشرة هي من أقرب الطرق وأسرعها لتحقيق الشهرة والبطولة، والتسلق على حبال الطرح الطائفي يعتبر من أنجح وسائل الفرز والاصطفاف الفئوي حيث يسهل الركوب على أكتاف الشجاعة والنجومية.

ولعل من أقوى ركائز تأثير الطائفية وتفاعلها مع الجمهور العزف على وتر الثوابت والمعتقدات الدينية واعتبار ذلك تقرباً إلى الله، وبالتأكيد فإن رسم مثل هذه الدائرة تشكل الحصن الحصين لأبطال الطرح الطائفي وتقيهم سهام النقد حتى من داخل الطائفة نفسها.

وكنتيجة حتمية... فإن ردة الفعل تأتي بتلقائية وعفوية من المعسكر الآخر بدافع التصدي والمواجهة وتوفر عوامل النجاح نفسها عند الطرف المضاد، لأنه ببساطة يتحول من لديه مبادرة البروز والدفاع إلى بطل آخر في الخندق الجديد، فيمدح بعبارات الثناء والشهامة والغيرة على الطائفة، وكلما ارتفعت نبرة التحدي والتصعيد ارتقى في ميزان الشجاعة والجرأة.

فالمواجهة الطائفية إذن عبارة عن مركّب كيميائي يتفاعل بالقدر نفسه ويترك التأثير نفسه، وهي عديمة الكلفة على أبطالها ورموزها، ولكنها بالتأكيد ثقيلة من حيث استنزافها المجتمعي وعمق الجراحات التي تتركها لفترة من الزمان، ومشكلة مثيري الطائفية أنهم يدركون وبحسب الكثير من التجارب السابقة أن هول الطرح الاستفزازي، مهما بلغت درجة إثارته، لابد أن يخبو ويتضاءل ولو بعد حين، ولذلك فإنهم يتحينون الفرصة تلو الأخرى لإبقاء هذه النار موقدة من خلال سكب الزيت عليها ولو باختلاق الأزمات وافتعال الفتن الطائفية على الدوام.

ولعل أبطال الطائفية يدركون قبل غيرهم أن الإثارة والتصعيد والتعصب وغيرها من مصطلحات قاموس التشدد والتطرف لا يمكنها أن تغير أو تبدل معتقدات الآخرين ولا مواقفهم أو آراءهم، فلا يجنون من خلال الخطاب المتشنج سوى المزيد من الضغط والإرهاق النفسي والألم المعنوي لجمهورهم قبل جمهور الطرف الآخر.

ومن غير المتوقع أن تُمحى ظواهر الطائفية وسلوكياتها وتبعاتها وشعاراتها وأبطالها ورموزها في الكويت بسهولة، وحتى إذا ضبطت الكثير من التصرفات والتصريحات المثيرة من قبل الشخصيات السياسية أو الدينية العامة، فمصادر الإثارة والتحريض والتعبئة باتت لا حصر لها في منتديات الإنترنت والفضائيات والرسائل القصيرة وفي الدواوين وحتى داخل أسوار البيوت!

ومع الأسف الشديد، فإن الحكومات المتعاقبة بقصد أو من دون قصد ساهمت في إذكاء الروح الطائفية لحسابات سياسية وتبعاً لمبدأ فرق تَسُد، ومكنت المتطرفين والطائفيين من الكثير من مواقع القرار وساعدت على تقويتهم وانتشارهم والترويج لأفكارهم ومعتقداتهم، وتقاعست عن فرض هيبة القانون وسلطان الدولة ومظلة النظام العام على الجميع، وها هي اليوم تحصد الشوك وعواقب الفتن!

كما ساهمت التيارات المختلفة ومؤسسات المجتمع المدني في استمرار الاستقطاب والاصطفاف الطائفي وتقنينه نتيجة التخلي عن مسؤولياتها في إرساء الكيانات الوطنية بتنوع أطيافها ومشاربها إما هروباً من الإحراج وإما طمعاً في مكاسب سياسية ومصلحية وإما بسبب بقايا الطائفية في نفوسها، ولا نتوقع أمام هذه الصورة القاتمة وغياب صوت الأغلبية الصامتة أو تغييبه أن تتغير هذه الحال حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً!