تحول المجتمع الكويتي إلى مجتمع تطغى عليه ملامح القمع والتطرف، غاب فيه الحوار والتسامح، ومُهدت فيه الأرضية لسيطرة ثقافة المنع، كحل للأزمة التي نعيشها، والتي تؤكد أن الدولة غائبة، أو تراجعت أمام زحف القيم السلبية، وأبرزها العنف والإقصاء، ومناصبة العداء للآخر.

Ad

في الكويت لم يعد مستغربا أن يؤخذ الكل بجريرة بعضهم، فالحوادث التي شهدتها البلاد أخيرا، تؤكد أننا أمام مأزق حقيقي في الأخلاق، ولده الجنوح نحو العقوبة كبديل للعلاج.

تأملوا في هذه الحوادث جيدا، «موتور» يحمّل مقطعا مصورا فيه مساس بالدين الإسلامي على موقع «يوتيوب» الإلكتروني، فيرتعد المتشددون في الكويت مطالبين بحجب واحد من أهم المواقع على شبكة الإنترنت، تلاه مشاجرة مراهقين في مجمع تجاري، دفع قوى الأمن إلى إغلاق المجمع، وأخيرا تقتحم مراهقة مسرح إحدى الحفلات لتحيي مطرب أثناء أدائه وصلته الغنائية، فيقوم المنظمون بإنهاء الحفل قبل موعده.

هذه الحوادث الثلاث، والتي تلاحقت تواليا في الأسبوعين الماضيين، تبين أننا أمام مشكل أخلاقي، أكثر منه غياب سلطة الدولة، أو علامة تمدد النفوذ السياسي الديني، بما يحد من عمل السلطة التنفيذية، أو حتى تسيد ثقافة العنف كعامل للتنفيس بين الشباب.

في الحوادث الثلاث أُخذ الكل بجريرة بعضهم، ففي حادثة الـ«يوتيوب» كان أفضل علاج لدى السياسيين حجب الموقع نهائيا، وهذا يعني أن مرتادي الموقع في الكويت، سيعاقبون جماعيا بسبب «موتور» مس الدين الإسلامي من مكان ما خارج الكويت.

أما حادثة المجمع التجاري فغاب فيها الانضباط، وحضر العنف الممزوج بضياع هيبة السلطة، والرغبة في الخروج على القانون، وتلخصت في مشاجرة بين مجموعة من الشباب، أدت إلى إغلاق المجمع للسيطرة على الوضع الأمني، فكان أن مُنع الآلاف من الترفيه، بسبب أن عشرات تشاجروا، وعجز رجال الأمن عن السيطرة عليهم.

وفيما يتعلق بالمراهقة التي اقتحمت المسرح خلال أداء مطرب لوصلة غنائية في إحدى حفلات العيد، فإن الحل كان بإنهاء الحفل قبل موعده، مع العلم بأن المنظمين لم يأخذوا في اعتبارهم، أن هناك من دفع قيمة تذكرة لحضور حفل غنائي أُنهي قبل موعده، فقط لأن المنظمين عجزوا عن الإمساك بفتاه اقتحمت المسرح لتسلم المطرب باقة ورد.

في الحوادث الثلاث كانت السياسة حاضرة، فرجال الأمن يعلمون أنهم في مناسبة تستلزم الاستعداد الكامل، ويعملون في منطقة تسيطر عليها ثقافة قبلية، تحول دون إتمام عملهم بشكله الأكمل، ولهذا فضّلوا إغلاق المجمع التجاري، لضبط الأمن، لأنه الأقل كلفة، ومثله في قضية المطالبة بحجب موقع «يوتيوب» التي أُقحم فيها الدين كوسيلة لتعزيز السيطرة على حرية استخدام الإنترنت، وفرض رقابة مسبقة، أما في حالة المراهقة، فقد كان كرسي وزير الإعلام، ومراضاة نواب التيار الديني، أهم لدى منظمي الحفل، من الحضور الذين عوقبوا، لأن المنظمين لم يقوموا بعملهم بالشكل المطلوب.

إن تفشي مفهوم العقاب الجماعي أمر خطير، وينذر بحالة مجتمعية جديدة، ستولِّد العنف، وتعزز تفشي قيم الإقصاء، والخروج على القانون، لأن العقاب في الحالات الثلاث، طال من التزم، ومن خرج عن النظام، كل على حد سواء، وبسببها أُخذ الكل بجريرة بعضهم، في مخالفة للقواعد القانونية جميعها، والأخطر في ذلك كله، أن ما حدث مرده فشل المعنيين القيام بأعمالهم، أو رغبتهم في حماية كرسي، أو مراضاة لتيار سياسي، فكانت النتيجة «استسهال» العقاب الجماعي كبديل عن حل المشكلة، وربما لأن فيه أيضا حماية للمقصرين، فدخلنا بفضلهم المرحلة الخطيرة.