يتعين علينا جميعا كشعب إدراك أن دولة الرفاه لا يمكن أن تستمر إلى الأبد، وحان وقت تغيير سلوكياتنا الشرائية، وطبيعتنا في الإنفاق والهدر على غير الضروريات، وحان وقت التسامي فوق نزاعاتنا الفئوية وصراعاتنا البينية.

Ad

مع هذا الانهيار الاقتصادي المروع الذي ضرب العالم قاطبة كنيزك هوى، ومع الانخفاض المتسارع لسعر النفط، تواجه حكومتنا اليوم، ونواجه معها بطبيعة الحال، الحقيقة المرّة المتمثلة في أن اعتمادنا المطلق على النفط كمصدر وحيد للدخل هو كارثتنا الأزلية الكبرى، وأن أسلوب الإدارة الحكومي المتمثل في الصرف المستمر من أرباح بيع هذا النفط على مشاريع طويلة متطاولة، بعضها غير واقعي وبلا حاجة فعلية، وبعضها أكبر بكثير من قيمته الفعلية، وبعضها يبدأ فلا ينتهي، وبعضها يبقى مجرد حبر على الورق، أقول إن هذا الأسلوب هو كارثة أخرى لعلها توازي في الحجم أو تفوق الكارثة السابقة.

هذه الحقيقة التي كنا نتحدث عنها منذ سنوات بعيدة ماضية، فنواجه بعبارات الاستهجان والسخرية، خصوصا حينما كنا نقول إن اعتمادنا على النفط سيوردنا المهالك، ها هي وقد صارت اليوم ماثلة للعيان، وبازغة أمام الجميع كشمس الظهيرة في منتصف أغسطس.

إن كانت الحكومة قد استطاعت خلال السنوات الماضية، أن تغطي الضعف وأن تستر الأخطاء الإدارية الضارية في طيات المدخول المالي الكبير الناتج عن بيع النفط بأسعاره المرتفعة، فإنها اليوم ومع انخفاض سعره، وهو المرشح لمزيد من الانخفاض بحسب التوقعات إلى ما تحت الخمسين دولارا ربما، ستنكشف حين تواجه الموازنة العامة للدولة المشاكل، فتضطر الحكومة معها إلى إيقاف تنفيذ خطط المشاريع، وإلى الصرف من الأموال المدخرة على أبواب الموازنة التي لا يمكن إيقافها، وتبدأ السكين التي كانت تحز في كتل الشحم الخالية من الأعصاب والبعيدة عن الإحساس في تقطيع اللحم وصولا إلى العظم ويتعالى الصراخ على قدر الألم، ويحق له أن يتعالى!

ما أتحدث اليوم عنه ليس خيالا أو أفكارا متشائمة، كما كان يتهمنا البعض في السابق، بل هي واقع صرنا نعيشه، وبدأنا في تجرع مرارته التي ستتزايد حتى تطبق على أنفاسنا إن لم يتم تدارك الأمر سريعا.

المسؤولية مشتركة بين الجميع. في عنق الحكومة أولا، فهي المطالبة بإيجاد حلول اقتصادية وتنموية ناجعة تقوم أساسا على تجاوز الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل، وهي المطالبة بمواجهة هذا الصرف المالي والهدر على المشاريع المريضة والمتعطلة، وفي عنق البرلمان ثانيا، فهو المطالب بإعانة الحكومة في هذا الاتجاه، والتسامي فوق الكثير من موضوعاته التي تشغل وقته في الهامشي من الأمور كقصة تامر حسني مع المراهقة، وفي أعناقنا جميعا كشعب يجب عليه إدراك أن دولة الرفاه لا يمكن أن تستمر إلى الأبد، وحان وقت تغيير سلوكياتنا الشرائية، وطبيعتنا في الإنفاق والهدر على غير الضروريات، وحان وقت التسامي فوق نزاعاتنا الفئوية وصراعاتنا البينية.

إن مركب الكويت يهتز بعنف في هذا البحر المتلاطم، وإن غرق لا سمح الله، فإننا جميعا وبلا استثناء سنغرق، حكاما ومحكومين، بفئاتنا وانتماءاتنا المختلفة، ولا مجال للخروج من هذه الأزمة إلا بالتلاحم والتكاتف والتسامي والتسامح.