يتعين على وزارة الداخلية أن تمنع إقامة الانتخابات الفرعية الفئوية والطائفية بأشكالها كافة، وألا تكتفي بالتظاهر بأنها «ستراقب» و«ستمنع» الانتخابات الفرعية القبلية وحدها لأن ذلك يعتبر نوعاً من أنواع التمييز أو الكيل بمكيالين قد يترتب عليه آثار عكسية.

Ad

عاد موضوع الانتخابات الفرعية القبلية والفئوية والطائفية من جديد ليحتل «مانشيتات» الصحف والمدونات الإلكترونية، وليكون العامل المشترك للكثير من التحركات الحثيثة التي تجري هذه الأيام في الدوائر الانتخابية كافة استعدادا للانتخابات البرلمانية.

سبق وتناولنا في هذه الزاوية أكثر من مرة موضوع الانتخابات الفرعية من حيث كونها ممارسة غير ديمقراطية مبنية، في الأساس، على صلات القربى وعلاقات الدين والمذهب التي لها، بلا شك، كل الاحترام كمنظمات اجتماعية ودينية، لكنها بحكم طبيعة تكونها وأهدافها منظمات غير سياسية، تتناقض، إن وظفت لأغراض سياسية، تناقضاً كلياً مع المبادئ والأسس الدستورية والديمقراطية. كما سبق وبيَّنا أن الانتخابات الفرعية القبلية والطائفية والفئوية تختلف، بعكس ما يروِّج له «المتمصلحون» منها، اختلافاً جوهرياً عن التصفيات الحزبية التي تقيمها الأحزاب الديمقراطية حيث إن الحزب يختلف في نظام العضوية وفي نوعية وطبيعة البرامج السياسية التي يطرحها عن القبيلة أو الطائفة لأن التكوين الحزبي، بعكس القبلي والفئوي والطائفي، مبني على برامج سياسية يتبناها مواطنون متعددو الأصول والمذاهب والأعراق يستطيع أي منهم، متى ما شاء، الانضمام للحزب أو حتي الانسحاب منه.

ومما لاشك فيه أن الانتخابات الفرعية القلبية والفئوية والطائفية هي مظهر من مظاهر تخلف الدولة عن القيام بواجباتها المتمثلة في فرض سيادة القانون، وتحقيق تكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية والمساواة، والعمل على دمج المكونات الاجتماعية والثقافية المختلفة للمجتمع في منظومة بشرية واحدة متساوية الحقوق والواجبات رغم تمايزها الداخلي المبني على الكفاءة والقدرات والمهارات.

من هنا فإن إقامة الانتخابات الفرعية يعتبر مظهرا أو نتيجة لسياسات حكومية كثيرة خاطئة، بل إنه يعتبر شكلاً من أشكال تراجع دور الدولة وضعفها وعجزها عن القيام بوظائفها المختلفة. ومكمن الخطورة أن ذلك قد يشكل تهديداً لوجود الدولة وبداية لتفككها وتحولها إلي دويلات صغيرة غير رسمية متنافرة لا علاقة لها بالدولة الرسمية، إذا لم تقم الدولة بدورها المطلوب من خلال إيجاد أنظمة ديموقراطية بديلة تحل محل الانتخابات الفرعية القبلية والفئوية والطائفية وتضمن صيانة حقوق الفئات الاجتماعية والمذهبية كافة على اعتبار أنهم جميعا مواطنون متساوون أمام القانون.

لذا، فإنه يجب على الحكومة البحث العميق عن الأسباب الرئيسية التي تجعل ظاهرة الانتخابات الفرعية تبرز مباشرة كلما حان وقت الدعوة لأي انتخابات سواء انتخابات مجلسي الأمة والبلدي أو انتخابات الجمعيات التعاونية أو النوادي الرياضية أو انتخابات جمعيات النفع العام والنقابات العمالية أو حتى انتخابات غرفة التجارة. وبكل تأكيد فإن هناك سياسات حكومية كثيرة خاطئة نتج عنها وجود ظاهرة الانتخابات الفرعية (تناولنا في مقال سابق دوافع وأسباب تنظيم الانتخابات الفرعية) التي لا تقتصر على «الفرعيات» القبلية البارزة بشكل واضح في الدائرتين الانتخابيتين الرابعة والخامسة، بل تتعداها لتشمل الانتخابات الفرعية الطائفية والفئوية في المناطق الانتخابية كافة. والآن يتعين على وزارة الداخلية أن تمنع إقامة الانتخابات الفرعية الفئوية والطائفية بأشكالها كافة، وألا تكتفي بالتظاهر بأنها «ستراقب» و«ستمنع» الانتخابات الفرعية القبلية وحدها لأن ذلك يعتبر نوعاً من أنواع التمييز أو الكيل بمكيالين قد يترتب عليه آثار عكسية، فضلاً على كونه يعبر عن عدم الجدية في منع الانتخابات الفرعية الفئوية والطائفية المجرَّمة قانوناً.