ربما لا يعرف كثيرون أن رئاسة الدولة الفلسطينية هي غير رئاسة السلطة الوطنية، وأن انتخاب محمود عباس (أبومازن) يوم الأحد الماضي من قبل المجلس المركزي لا علاقة له بانتخابه، من قبل فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة قبل أربعة أعوام إلاَّ خمسة وأربعين يوماً، رئيساً لهذه السلطة التي تعتبر احدى دوائر منظمة التحرير، والتي باستثناء «حماس» فإن العالم كله، حتى بما في ذلك إسرائيل، يعترف بها ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني استناداً إلى قرار قمة الرباط العربية في عام 1974.
إن المفترض أنه معروف ان المجلس الوطني في دورته التي انعقدت في الجزائر في نوفمبر عام 1988 قد أعلن «الاستقلال» من خلال وثيقة تلاها ياسر عرفات (أبوعمار) تحمل لمسات الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، وقد فهم ذلك الإعلان، حتى على الصعيد الدولي، على أنه إعلان لقيام الدولة الفلسطينية على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242، وفوق كل أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة قبل احتلال عام 1967. ولتأكيد هذه الحقيقة، أي حقيقة ان إعلان الخامس عشر من نوفمبر عام 1988 هو إعلان لقيام الدولة الفلسطينية المتجسدة سياسياً في منظمة التحرير، فقد جرى اختيار «أبو عمار» من قبل المجلس المركزي في اجتماع عقده في تونس في العام اللاحق، أي في عام 1989، رئيساً لهذه الدولة، وقد بقي هذا الأمر سارياً حتى بعد ان أصبحت هناك «سلطة وطنية» وبعد ان انتخب الرئيس الراحل رئيساً لهذه السلطة، ولم يواجه هذا الوضع بأي اعتراض حتى من قبل حركة «حماس» التي بقيت ترفض الانضمام الى منظمة التحرير والتي كانت تخطط منذ بداية إنشائها الى إيصال الوضع الفلسطيني الى هذه الحالة المأساوية التي وصلت إليها. وللمزيد من الإيضاح فإن «الرئيس» الذي ينتخب من قبل المجلس المركزي، على غرار انتخاب محمود عباس يوم الأحد الماضي، هو رئيس للشعب الفلسطيني كله الذي في الداخل والذي في المنافي ومناطق الشتات، أما رئيس السلطة فإنه رئيس لفلسطينيي الضفة الغربية وغزة، وان رئاسته في هذه الحالة هي رئاسة انتقالية الى حين قيام الدولة المستقلة المنشودة، التي وفقاً لخارطة الطريق ومقررات مؤتمر «أنابوليس» في الولايات المتحدة غدت البند الرئيسي على جدول أعمال تحركات العملية السلمية. والسؤال بعد خطوة يوم الأحد الماضي هو: لماذا يا ترى سارع المجلس المركزي الى ملء هذا الموقع «المعنوي» الذي بقي شاغراً منذ رحيل ياسر عرفات قبل أربعة أعوام؟! إن السر في اللجوء الى اتخاذ هذا القرار الذي بقي معلقاً منذ وفاة «أبوعمار» وبهذه السرعة، هو ان هناك مؤتمراً كان ينعقد في دمشق في اليوم ذاته الذي انعقد فيه المجلس المركزي في رام الله، وأن هذا المؤتمر الدمشقي ورغم انعقاده تحت لافتة شعار «حق العودة» فإن «حماس» وخلفها كل من يدعمها، دول وأفراد ومنظمات، أرادته خطوة نحو مجلس وطني جديد تكون مهمته سحب البساط من تحت أقدام منظمة التحرير، وليملأ رئيسه الفراغ في موقع الرئاسة الفلسطينية الذي بقي شاغراً خلال الأعوام الأربعة الماضية.* كاتب وسياسي أردني
أخر كلام
أسباب هذا الاختيار!
26-11-2008