في المادة التاسعة من المسودة وتحت عنوان «حركة السيارات والزوارق والطائرات» اقترح الجانب الأميركي ما يلي: «يجوز للزوارق والسيارات التي يتمّ تشغيلها حصراً من قبل الولايات المتحدة أن تدخل أراضي العراق وأن تخرج منها وأن تتحرك بحرية على أرض العراق. ويُصرح لطائرات حكومة الولايات المتحدة والطائرات المدنية التي يتمّ أو يجري تشغيلها حصراً بموجب عقد مع وزارة الدفاع الأميركية بالتحليق في الأجواء التي تعلو أراضي العراق، والقيام بتزويد الوقود في الجو، ويصرح للطائرات المشار اليها بالهبوط على أراضي العراق والإقلاع منها مع مراعاة الالتزام الكامل بقواعد سلامة الطيران والملاحة الجوية ذات الصلة، ولا تتعرض طائرات حكومة الولايات المتحدة وزوارقها وسياراتها إلى صعود أي طرف على متنها دون موافقة سلطات قوات الولايات المتحدة على ذلك... ولا تفرض رسوم التحليق عبر أجواء العراق أو رسوم الملاحة الجوية أو أي رسوم أخرى مماثلة على طائرات حكومة الولايات المتحدة والطائرات المدنية التي يجري تشغيلها حصراً بموجب عقد مع وزارة الدفاع الأميركية في التشغيل المتعلق بأنشطة قوات الولايات المتحدة، كما لا تفرض على الطائرات المذكورة رسوم الهبوط والانتظار في المنشآت المملوكة للحكومة أو التي تتولى الحكومة تشغيلها في أراضي العراق، ولا تفرض على الزوارق المملوكة لقوات الولايات المتحدة أو الجاري تشغيلها حصراً من قبل الولايات المتحدة أو لصالحها رسوم الإرشاد أو الميناء أو رسوم النقل بالصنادل أو رسوم المرفأ أو رسوم مشابهة في الموانئ التي تملكها أو تديرها الحكومة في أراضي العراق.. ولا تتعرض مثل هذه السيارات والزوارق والطائرات داخل العراق إلى أعمال التفتيش أو التنظيم أو متطلبات التسجيل.. ويوفر كل من الطرفين إلى الطرف الآخر الخرائط وغير ذلك من المعلومات الأخرى المتاحة عن مواقع الحقول التي زرعت فيها ألغام وغير ذلك ما يعيق الحركة داخل أراضي العراق ويعرضها للخطر».

Ad

واعترض المفاوض العراقي على هذه المادة واقتراح سلسلة تعديلات تمس جوهرها منها: «أن يتضمن أعمال التفتيش قوات عراقية.. وأن يكون تزويد الطائرات جواً بالوقود لأغراض أمن العراق.. وأن تدفع الولايات المتحدة الرسوم اللازمة للتسجيل.. وأن يثبت مبدأ عدم الإخلال بالقوانين العراقية أو التزاماته الدولية». وذكرت المسودة في أحد هوامشها فقرة: «اعتراض شديد من قبل السفير». على هذه المقترحات العراقية.

تذكر المادة العاشرة حول إجراءات التعاقد ما يلي: «لقوات الولايات المتحدة إبرام عقود وفقاً لقوانين الولايات المتحدة لشراء المواد والخدمات في أراضي العراق. ويشمل ذلك خدمات أعمال البناء والتشييد، ولقوات الولايات المتحدة شراء (ما يلزمها من) هذه المواد والخدمات من أي مصدر وتستخدم الولايات المتحدة مجهزين للمواد والخدمات من الأفراد العراقيين والشركات العراقية عندما تكون عروضهم منافسة وتقدم القيمة الأفضل والزمن الذي يمكن أداء هذه العروض فيه».

اقترح المفاوض العراقي إضافة الفقرة التالية على هذه المادة: «يثبت عدم الإخلال بالقوانين العراقية أو التزاماته الدولية عند التعاقد مع العراق». وهذا يعني نسف المادة العاشرة من أساسها، لذلك اعترض المفاوض الأميركي على هذه الفقرة بشدة معتبراً أن قوانين التعاقد الدولية تسمح للجميع بالمشاركة في ما يضمن أفضل خدمة مقابل الأموال وعدم الفساد. وجرى نقاش طويل انتهى بتسجيل التعديل العراقي باللون الأصفر، أي مادة لم يتفق عليها بعد، مع تسجيل اعتراض المفاوض الأميركي.

وفي المادة 11 المتعلقة بالاتصالات اللاسلكية اقترح المفاوض الأميركي ما يلي: «إن قوات الولايات المتحدة سوف تشغل أجهزتها وفقاً لدستور الاتحاد الدولي للاتصالات وتطبيق أنظمة اللاسلكي حيثما كان ذلك قابلاً للتطبيق. وتستمر قوات الولايات المتحدة في استخدام جميع الصلاحيات وتخصيصات الترددات، وأنها سوف تعيد الترددات المخصصة عندما تنتهي حاجة قوات الولايات المتحدة منها». اعترض المفاوض العراقي على هذه المادة بشدة واقترح أن يثبت في الاتفاقية الفقرة التالية: «يثبت مبدأ «1» أن الترددات ملك الحكومة العراقية، تتولى السلطات العراقية تخصيص المطلوب منها إلى قوات الولايات المتحدة. «2» ويتم ذلك من خلال ملحق يقدمه الأميركيون بالترددات المطلوب تخصيصها، ويتم مناقشته مع الاتفاقية وتعتبر كل التخصيصات السابقة لاغية. وُضع التعديل العراقي في المسودة باللون الأحمر أي: مادة الاختلاف عليها كبير.

وتحت عنوان «وضع الكوادر العاملة» في المسودة اقترح المفاوض الأميركي الفقرة التالية: «يتنازل العراق عن مقاضاة أفراد القوات الأميركية والعنصر المدني التابع لها، ويوافق على أن يكون للولايات المتحدة الحق الحصري لمقاضاة هؤلاء الأفراد في أي قضية جنائية أو اعتداء مدني في أرض العراق.. ويتم تسليم أعضاء القوات والعناصر المدنية الذين تقبض عليهم السلطات العراقية أو تحتجزهم فوراً إلى سلطات القوات الأميركية».

في المقابل، وبعد جدال طويل اقترح المفاوض العراقي استبدال النص الأميركي بالنص التالي:

(أ) يثبت مبدأ عدم شمول الحصانة للجرائم والجنايات التي ترتكب خارج الواجبات وتستبدل المادة بورقة يضعها السيد الدكتور محمد ماضي ومجلس الشورى على أساس اتفاقية اليابان ويجري القانون الجزائي العراقي على الأفعال التي ترتكب من أفراد القوات الأميركية في العراق والتي تشكل جرائم في القانون العراقي إذا ارتكبت أثناء الواجب ما لم تكن من الجنايات العمدية.

(ب) تضمن الولايات المتحدة محاكمة المشمولين في (أ) أعلاه أمام محكمة أميركية يشترط أن تشكل داخل العراق.

(جـ) تكفل الولايات المتحدة تمكين المتضرر من الدخول طرفاً في الدعوى للمطالبة بالحق الجزائي أو المدني.

(د) تتعهد الولايات المتحدة بتنفيذ الأحكام الصادرة من المحاكم المنصوص عليها في الفقرة أعلاه سواء كانت جزائية أو مدنية.

(2) العنصر المدني: تكفل الحكومة العراقية للعنصر المدني إباحة استخدام القوة تجاه الغير في حالة الدفاع الشرعي، ولا يترتب نتيجة لذلك أي مسؤولية جزائية.

(3) استثناء من (1) أعلاه يكون للقضاء الأميركي أولوية الاختصاص للنظر في الجرائم الواقعة بين الأشخاص الأميركيين، أو الواقعة من أشخاص أميركيين على مصالح أميركية».

هذه المادة تـُعتبر من العقبات الرئيسة في التوصل إلى الاتفاقية الثنائية لذلك وضعت بالخط الأحمر في المسودة. وقد أعلنت واشنطن أكثر من مرة، وعلى ألسنة مسؤوليها رفضها التام للتعديل العراقي، وأصرت على الاقتراح الذي قدمته. بينما أعلن العراق، أيضاً أكثر من مرة، وعلى ألسنة أكثر من مسؤول حكومي، وبالأخص رئيس الحكومة المالكي رفضه للاقتراح الأميركي مما دعا إلى استدعاء المالكي منذ عدة أشهر إلى واشنطن، حيث جرى بحث أمور الاتفاقية وهذه المادة بالذات مع الرئيس بوش شخصياً في البيت الأبيض. وعندما عاد المالكي إلى بغداد أعلن أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بالرغم من وجود بعض التقدم.

أما النقطة الخلافية الكبرى التي وردت في المسودة فتتعلق بـ«المطالبات» أو التعويضات. في حين طلب المفاوض الأميركي بأن يتنازل الطرفان عن حق المطالبة بأي تعويضات، أصرّ المفاوض العراقي على تثبيت مبدأ عدم التنازل.

المواد المتفق عليها هي في معظمها شكلية، والملفت للنظر أن المسودة جاءت خالية من أي اقتراحات أو مناقشات حول موعد انسحاب القوات الأميركية من العراق. وهذا يعني إبقاء الباب مفتوحاً أمام الخلاف الأعظم الذي قد يطيح بالمسودة بكاملها ويضع واشنطن وبغداد أمام المأزق الكبير.

* * *

في حال موافقة الحكومة العراقية على الاقتراحات الأميركية فهذا يعني باختصار شديد: احتلال مجاني دائم.

* كاتب لبناني