حراك إقليمي مكثف محوره طهران!
بينما وصل وزير خارجية السودان إلى طهران في إطار تعزيز التعاون الثنائي بين حليفين ثابتين مهما ابتعدت خطوطهما الجغرافية، يستعد وزير الطاقة القطري عبد الله العطية لزيارة إيران في إطار التنسيق بين البلدين حول أسعار النفط ومستقبل الطاقة والأوبك، وما أن يغادر الوزير القطري طهران حتى يصل وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة إليها للتأسيس لأول لجنة سياسية ثنائية بين البلدين مهمتها إطلاق أول إطار رسمي للتعاون الثنائي بين بلدين جمع بينهما الاقتصاد إلى حد عدم قدرتهما على الفكاك عن بعضهما البعض مهما اختلفت وجهات نظرهما في السياسة والأمن أو تنازعا على الحدود!وما إن يبدأ الوزير الإماراتي بجمع حقائبه للرحيل عن العاصمة الإيرانية حتى يدخلها الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي السيد عبد الرحمن العطية، ليبحث مع المسؤولين الإيرانيين ما وصفوه هنا بالآليات العملية والإجرائية لمقترحات الرئيس أحمدي نجاد، التي سبق أن قدمها العام المنصرم في القمة الخليجية التي حضرها ضيف شرف على زعماء المجلس في وقتها في الدوحة، هذا إضافة إلى مناقشة إمكان إطلاق مشروع المنطقة التجارية الحرة مع إيران، والتي كان قد أقرها مجلس التعاون الخليجي منذ مدة، وكذلك مشروع اقتراح تنظيم حوار عربي إيراني على مستوى رفيع أقره البرلمان العربي مدعوما من الجامعة العربية وأمينها العام السيد عمرو موسى!
قبل ذلك كانت لدينا بالطبع تلك الزيارة المثيرة للجدل والتي أقامت الدنيا ولم تقعدها لدى البعض، طبعاً لرئيس أكبر تكتل لبناني عربي مسيحي أعني العماد ميشيل عون للعاصمة الإيرانية، وما فتحته من آفاق لتعاون إيراني عربي متاح لمناقشة وضع المسيحيين العرب، وما يعانوه من أذى أو تهجير أو تهميش في أكثر من بقعة من بقاع الشرق العربي والإسلامي، وكذلك لمناقشة آليات إنقاذ الشرق المريض الذي يعاني تبعات تحوله إلى ساحة حروب ومختبر لتصارع القوى الكبرى على خيراته وعلى حساب أمنه واستقراره! في هذه الأثناء يكون السيد علي لاريجاني رئيس البرلمان الإيراني قد أنهى زيارة مهمة له إلى كل من البحرين وسلطنة عمان على أن يستعد لزيارة مرتقبة له إلى كل من العراق ولبنان، تصفها الأوساط العليمة والمتابعة بأنها ستكون مهمة للغاية، لأنها تتعلق بالجهود الحثيثة التي تبذلها إيران لإسقاط الاتفاقية الأميركية مع العراق، والتي تقول عنها طهران إن الأميركيين يهددون حكومة بغداد وبرلمانها بفرضها عليهما، أو انتظار الانقلاب على العملية السياسية برمتها والإتيان برجل ليبرالي متعاون مع الإدارة الأميركية كما يتردد في الأروقة السياسية الإيرانية الخلفية هنا! هذا الحراك الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي بين طهران والعواصم العربية المختلفة في مشاربها إن دل على شيء فإنما يدل على ارتفاع حدة التحدي المشترك الذي يشعر به الجانبان من جهة، وأهمية إبقاء سكة الحوار المؤدية إلى طهران والعائدة منها «معجوقة» كما يقال من جهة أخرى، لعل في ذلك ما يفيد بأن أهل هذه المنطقة من العالمين العربي والإسلامي- ولا أريد أن أطلق عليها تسمية بالشرق الأوسط المسمومة حتى لا تدخل رائحة ونكهة الدولة العنصرية الإسرائيلية عليها وعلينا جميعا- قد باتوا جميعا على مستوى التحدي المطلوب ليحصنوا أنفسهم ما استطاعوا من تداعيات سقوط، وتدحرج كازينوهات القمار العالمية وبؤر الفساد المالي المسماة زوراً وبهتاناً بالنظام النقدي الحر، في إشارة إلى تحرير رأس المال من سيطرة الدولة المركزية الشيوعية التي ظلوا لعقود يحرضوا ضدها، فإذا بهم يجدون ملاذاً ومعيناً وهادياً وناصراً لـ«عربدتهم» الرأسمالية المتوحشة غير تلك الدولة الشيوعية أو الاشتراكية المجازيّة طبعاً عندما قرروا تأميم الرأسمالية بها وعن طريقها، فأصبحنا «كلنا روس أو كلنا صينيون» كما ورد في تعليق ظريف لأحد الكتّاب الأميركيين!إنه حراك عربي إيراني، سبقه بالطبع حراك عربي تركي في اجتماع جدة الشهير الشهر الماضي، وينبغي له أن يُعزَّز على المسار الإسلامي المسيحي الشرقي، وهو اليوم أكثر من مطلوب، وإن جاء متأخرا بعض الشيء لكنه أمر لابد منه ولا خلاص لأحد مهما قوي أو استقوى من دونه!* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني