Ad

إن تحالف طهران ودمشق، وبيروت، وفلسطين، لم يقم على أساس ظرفي حتى ينفرط على خلفية حالة ظرفية، فكيف إذا كان هذا الظرف من نوع «خديعة أولمرت» والمتعامل مع هذا الحدث هو ذلك الطالب الحاذق في مدرسة «التقية السياسية» الأسدية التي لاتزال تحكم دمشق... ولا يمكن أن تتحول إلى «نموذج ساداتي» ثان!

ليس اكتشافاً جديداً مذهلاً ما يتحدث عنه بعض الساسة والإعلاميين والمحللين الدبلوماسيين هذه الأيام عن وجود تقديرات متباينة أو قراءة متفاوتة لدى الحليفين السوري والإيراني، عن الصراع العربي-الإسرائيلي، فمنذ متى كانت التقديرات أو القراءة واحدة أصلاً في هذا الشأن بين هذين الحليفين الاستراتيجيين حتى إذا ما ظهر بعض التفاوت هلل له بعضهم وكبَّر، وكأنه بات قاب قوسين أو أدنى من النصر؟!

إن مَن يفترض وجود هذه القراءة الواحدة، ويستنتج تالياً وجود موقف واحد ومتطابق في هذا الشأن، ويريد أن يستنتج لاحقاً بأن بوسعه العمل على تفكيك هذا التحالف، ومن ثم الإيقاع بين الحليفين متى ما قدم تنازلات معينة للطرف السوري، هو الذي سيصدم قريباً ويفاجأ بما لم يكن في الحسبان!

إن ما يجمع بين قوى بلاد الشام الممانعة- ومن بينها نظام الحكم في سورية- وإيران المناهضة للمشروع الصهيوني ليس التقديرات ولا القراءة الواحدة، بل هي المصالح الاستراتيجية بعيدة المدى، وما الاختلاف القائم في التقديرات إلا شكل من أشكال الاختلاف القائم أصلاً بين أجنحة الحكم المتفاوتة التي تتقاسم السلطة في كل قطر من أقطار الحكم في البلدين أو الأطياف المختلفة التي تتشكل منها القوى الحية والمقاومة غير الحكومية، في كل من فلسطين ولبنان، التي هي بمنزلة الضلع الثالث من مثلث الصمود والمقاومة!

وهكذا... فإن التقديرات والتحليلات، وتالياً المواقف والتدابير وسبل التعامل مع الأحداث والوقائع المستجدة، ستظل متباينة كما كانت دوما ومنذ اليوم الأول لعقد هذا التحالف، لكن الذي لن يتغير وسيظل ثابتاً مهما قدّم الخصم المشترك من تنازلات لأحد الأطراف أو لمجموعها، هو المصالح المشتركة. تلك المصالح المتشكلة أصلاً على قاعدة وجود واستمرارية اغتصاب الكيان الصهيوني للأرض والحقوق الفلسطينية، وهو ما يهدد وجود واستمرارية القوى المتحالفة آليا ضد هذا الكيان الطارئ!

فالكل يعرف أن نظام الحكم في طهران ليس كنظام الحكم في سورية، ولا أحد منهما يريد أن يصبح مثل الآخر أو يقنع الآخر بأحقية نهجه في الحكم، وكذلك هو حال القوى الفلسطينية واللبنانية التي تشكل الضلع الثالث لمثلث المقاومة كما ذكرنا، فهي الأخرى ليس مثلها الأعلى في الحكم لا طهران ولا دمشق!

لكن وجود كل ضلع من هذه الأضلاع بات مرتبطاً بوجود الآخر عضوياً واستراتيجياً، ولا يمكن فك هذا الارتباط ما لم يجد العالم حلاً عادلاً ومقبولاً للقضية المركزية أي القضية الفلسطينية، وليس ما يسمى بصراع الشرق الأوسط!

حالتان وحيدتان فقط يمكن من خلالهما فك هذا التحالف، ألا وهما، حالة ان يقرر أحد الأطراف المذكورة إلغاء نفسه طوعاً- كما فعل نظام السادات يوماً- أو أن يُهزم الجمع عبر مواجهة شاملة!

وكلاهما ليس متاحاً الآن حتى يهلل بعضهم لاحتمالات تهاوي التحالف من خلال بعض التحركات الإسرائيلية الخداعة أو الاستعراضات «البازارية» الفرنسية!

ولما كانت العلاقة بين القوى الأربع المتحالفة في مثلث المقاومة غير قائمة على أساس الرأس والذنب، وانطلاقاً من قاعدة أن كل طرف له حيثياته الخاصة به في اختيار السياسات التكتيكية المناسبة والمواقف السياسية المتغيرة حسب الظروف المحيطة به، فإنه لاخوف مطلقاً على انفراط عقد هذا التحالف مادام الكيان الصهيوني الحاكم في تل أبيب لم يتفكك بعد!

إن تحالف طهران مع دمشق، وتحالفهما مع بيروت، وتحالف الثلاثة مع فلسطين، لم تقام على أساس ظرفي حتى ينفرط على خلفية حالة ظرفية، فكيف إذا كان هذا الظرف من نوع «خديعة أولمرت» والمتعامل مع هذا الحدث هو ذلك الطالب الحاذق في مدرسة «التقية السياسية» الأسدية التي لاتزال تحكم دمشق... ولا يمكن أن تتحول إلى «نموذج ساداتي» ثان!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي الإيراني