أحيت الولايات المتحدة الأميركية منذ أيام الذكرى السابعة لهجمات 11 سبتمبر التي تعد أسوأ هجمة تعرضت لها بعد كارثة «بيرل هاربير» قبل «63» عاماً، تلك الهجمات كانت نقطة تحول في تاريخ أميركا، جعلتها تغير استراتيجيتها إلى الحرب الاستباقية عبر غزو العدو في عقر داره وعدم انتظاره، وعادة في هذه المناسبة تتجدد التساؤلات: ما محصلة الحرب على الإرهاب؟ وما حصادها؟ وهل نجحت استراتيجية الحرب ضد «القاعدة»؟ وهل «القاعدة» في تراجع وانحسار أم نشاط وانتشار؟

Ad

هذه التساؤلات وغيرها تثار كل عام، وتتعدد الاجابات وتختلف وجهات النظر باختلاف مشارب أصحابها وتوجهاتهم السياسية واختلاف زوايا الرؤيا والأهداف التي يراد تحقيقها. وفي العادة نجد فريقاً متعدد الأطياف والمشارب والجنسيات يعارض سياسة الإدارة الأميركية الحالية، يتألف من الحزب الديمقراطي المعارض في أميركا ومن العرب والمسلمين ومن الأوروبيين، هؤلاء يسارعون إلى اطلاق حكم عام بالفشل الذريع للحرب الأميركية على الإرهاب، استناداً الى تقارير لمراكز بحثية أكدت أن سياسة الحرب الاستباقية قد استفزت الإرهاب وخلقت المئات من «بن لادن» فأصبح الإرهاب «معولماً» وساعدت على نشر أيديولوجية «الجهاد» على مستوى العالم خصوصا بعد غزو العراق، وبعد أن كانت «القاعدة» محصورة في منطقة واحدة انتشر أنصارها في كل مكان وضرب الإرهاب معظم مناطق المعمورة، حتى أوروبا طالتها سلسلة التفجيرات التي استهدفت أنفاق قطاراتها في العديد من المدن الأوروبية كما ازدادت العمليات الإرهابية في المنطقة- الجزائر، المغرب، اليمن، السعودية، الأردن- غير العراق الذي أصبح مرتعاً خصباً للإرهابيين، كما يشيرون إلى عودة نفوذ «طالبان» و«القاعدة» في المنطقة الحدودية الباكستانية الأفغانية وزيادة هجماتها ضد قوات التحالف، كما أن الدعاية الجهادية مازالت نشطة عبر الأنترنت وهي تجتذب شباباً جدداً إلى صفوف «القاعدة»، ومازال زعيم «القاعدة» طليقاً ويحظى بالشعبية، ومساعده الظواهري مازال نجماً إعلامياً له أنصاره ومعجبوه. هذه أبرز حجج هذا الفريق لكن الملاحظ على منطلقات هؤلاء ودوافعهم وأهدافهم أنها أيديولوجية أو سياسية أكثر من كونها آراءً موضوعية تستند إلى رصد دقيق للأحداث خلال السنوات السبع المنصرمة، فأما الأميركيون الناقدون فهم من الحزب المعارض الذي يريد كسب الرأي العام الأميركي عن طريق إقناعه بفشل إدارة بوش في مكافحة الإرهاب، أما الناقدون العرب فمعظمهم من الذين مازالوا مؤمنين بأن «11- 9» ما هو إلا مؤامرة أميركية ضد الإسلام والمسلمين، وأن الحرب على الإرهاب ما هي إلا غطاء للحرب على المسلمين، أما الأوروبيون المعارضون فهم بقايا اليسار المعادي لأميركا.

في المقابل نجد الفريق الآخر الذي يرى أن الحرب على الإرهاب قد نجحت وحققت أهدافها ومن أهمها القضاء على دولة الإرهاب في أفغانستان، لقد كان للإرهاب قبل «11- 9» دولة ترعاه وتحميه وتوفر له كل وسائل الدعم المادي والمعنوي، وكان له ملاذ آمن ومعسكرات يتوافد إليها شباب العالم الإسلامي من كل مكان اغتراراً بدعاوى الجهاد، اليوم نجد حكومة طالبان قد تلاشت، و«القاعدة» قصم ظهرها، وأصبح زعيمها مشرداً قد خسر قاعدته الآمنة، وأضاع دولته «الحلم» التي سعى إليها منذ إنشائه للتنظيم، كما فشل في تحقيق مشروعه الأكبر في إسقاط أنظمة عربية وتحويلها إلى أنظمة دينية على غرار طالبان تمهيداً لتكوين إمبراطورية «الخلافة» العظمى المقاتلة للغرب وأميركا، ورغم ضراوة أتباعه وكثرة تفجيراتهم وتجنيدهم حتى للأطفال والنساء والمعاقين عقلياً في عملياتهم الاجرامية في العراق، فإنهم لم ينجحوا في تكوين دولتهم الدينية ولم يستطيعوا تحقيق أهدافهم في إسقاط الحكومة العراقية، وبدأوا أخيراً يلفظون أنفاسهم ويفرون من العراق. يقول عبدالله بن بجاد العتيبي: الحقيقة اليوم تقول إن قوة «القاعدة» قد تقلصت بشكل ملحوظ، ففي السعودية حسم الصراع تقريباً وفي العراق سجلت «القاعدة» تراجعاً ملحوظاً. ويضيف: نتذكر جميعاً أن عدداً من المشاهير ممن كانوا مقربين لخط «القاعدة»، قد أعلنوا البراءة منها، منهم الجماعة الاسلامية في مصر، ونعمان بن عثمان الليبي وعبدالله أنس وسلمان العودة، وغيرهم كثير ممن خسرتهم «القاعدة» على مستوى الرموز فضلاً عن إفلاسها لدى كثير من عامة الناس- إذن المحصلة النهائية لعميات «القاعدة» بعد 7 سنوات على هجماتها على أميركا، تشير بوضوح إلى أنها في تراجع، لقد عجز الإرهابيون عن شن أي هجوم آخر على أميركا، كما عجزوا عن تنفيذ اعتداءات أخرى في الغرب منذ ثلاث سنوات، وانقلبت قطاعات واسعة من الرأي العام العربي والاسلامي عليهم بعد أن هالهم سقوط آلاف الضحايا المدنيين نتيجة عملياتهم الانتحارية، كما أدان العديد من العلماء والمشايخ تلك العمليات، وحسب الاحصاءات فقد أحبطت أميركا كل مخططات «القاعدة» ضدها، واعتقلت معظم قادتها، وأهمهم «خالد شيخ محمد» العقل المدبر لهجمات «11- 9» كما صفت معظم من ورد في قائمتها الأمنية.

كيف نصدق مقولة أن أميركا خسرت الحرب على الإرهاب في حين أن الوقائع تقول إن الإرهاب خسر كل معاقله وأصبح مطارداً في كل مكان؟ هؤلاء يتجاهلون أنه لم يكن بالامكان استنفار جهود دول العالم للحرب على الإرهاب وفي ملاحقة خلاياه ومحاكمة أتباعه وقطع تمويله وتضييق الخناق عليه ومحاصرته لولا التدخل الأميركي الفعال، لنتصور أن أميركا لم تضرب «القاعدة» في عقر دارها، ماذا كان حال العالم والدول العربية والإسلامية؟ الوقائع تقول: لولا الحرب على الإرهاب بقيادة أميركا لاستمر مشروع «القاعدة» الإرهابي في زراعة الكراهية والعنف ولاستمر تخريبها للبيئات العربية والإسلامية، ولنجح بن لادن في تجنيد شباب العالم الإسلامي في مشروعاته العدمية ولاستعصى العلاج والمواجهة حينئذ.

لو لم تغير أميركا استراتيجيتها من الدفاع إلى الهجوم، وتركت «القاعدة» تنمو وتكبر وتتضخم وتنتشر بمعسكراتها وجيوشها لما استطاعت الدول العربية والاسلامية مواجهة «القاعدة»، ولأصبحت أوضاعها أقل أمناً، ولحققت «القاعدة» أهدافها في قلب العالم الإسلامي، نعم لو لم تضرب أميركا الوليد القاعدي في عقر داره لما كانت الدول العربية قادرة على مواجهته بعد أن يصبح مارداً متوحشاً لا عقل له ولا قلب!! لذلك يدهش المرء من مقالة «هاشم صالح» التي قال فيها إن الحرب على الإرهاب فشلت بسبب أنها لم تقض على الفقر والجوع والأمية والجهل ومدن الصفيح وبيوت المقابر في مصر! ترى هل هؤلاء الانتحاريون نتاج فقر أو جوع أو جهل؟ ولماذا لم ينتج الفقر والجوع والجهل انتحاريين في الدول الأخرى من العالم؟

صحيح أن الحرب على الإرهاب أنعشت الفكر المتطرف وساعدت على انتشاره، وأيقظت خلاياه النائمة وأخرجت مخططاته من حالة الكمون أو البيات، ولكن ذلك أمر إيجابي، إذ كان العرب في غفلة عن السرطان الإرهابي الذي كان يستشري بين أظهرهم وهم نائمون، وساعد الحرب على الإرهاب في كشفه وإظهاره قبل أن يستفحل ويتعذر علاجه، كما أن كل ذلك جزء من معادلة الحرب على الإرهاب.

لا لم يخسر المجتمع الدولي ولا أميركا الحرب على الإرهاب وهي حربنا أساساً قبل أن تكون حرب الآخرين، ونحن لم نخسر الحرب على الإرهاب وإلا لاستمرت ثقافة «فجر نفسك وادخل الجنة» المسمومة.

* كاتب قطري