ما الذي يضمن لنا؟
مثالان حدثا خلال الأيام القليلة الماضية يصلحان أن يكونا عنواناً للمرحلة الراهنة وتشخيصاً حياً للحالة التي وصلنا إليها؛ الأول، هو قضية الرياضة التي انتهى الصراع فيها بين قوانين الدولة ومؤسسة الفساد الرياضي إيجابياً بسيادة الحق والقانون ورفع الإيقاف عن نشاطنا في كرة القدم، ولكن كيف انتهى؟ انتهى بعد عام من استنزاف الوقت والجهد وتدخل سمو الأمير، مشكوراً، في قضية مفترض بها أن تكون محسومة بإقرار القوانين ومصادقة سموه عليها مسبقاً. ما حصل ليس سوى مثال لتهتك دولة المؤسسات وخضوعها للاختطاف وابتزاز المتنفذين. وفي كأس الخليج رأينا خروج الناس للشارع احتفالاً بفوز منتخبنا حامل اللقب تسع مرات على منتخب البحرين الذي لم يسبق له الفوز باللقب. منذ متى ونحن نقيم مسيرات الفوز لمباراة واحدة؟ منذ متى ونحن نحتفل بالفوز في الدور التمهيدي؟ صرنا نحتفل بتحقيق الحد الأدنى.وفي المثال الآخر، استغرق تشكيل الحكومة 45 يوماً لتغيير وزيرين فقط، ولم تكن المدة كافية لإيجاد وزير للنفط، ماذا تعنى الحاجة إلى شهر ونصف لتغيير 12 في المئة فقط من الوزراء؟ وماذا يعني اعتذار شخصيات وطنية وأصحاب الرأي كمشاري العنجري ووليد الجري وأنس الرشيد وشريدة المعوشرجي عن المشاركة في الحكومة؟ ألا نلاحظ أن الواجب الوطني أصبح طاردا؟ فقد تحولت الخدمة العامة من شرف إلى عبء لا يلام عليه من يعتذر عنه، وفي المثالين يبقى المؤكد أننا لم نصل إلى هذه الحالة بمحض المصادفة، بل بفعل فاعل.
في إحدى الجلسات المغلقة التي حضرتها أخيراً، حاول أحد أبناء الأسرة الحاكمة المؤثرين تشخيص حال البلد، فخلص إلى أن الكويت تغيرت ديموغرافياً واجتماعياً عما كانت عليه قبل أربعين سنة، وطالب الحضور من النخب السياسية والمدنية باستيعاب التغير وعدم التقوقع في الماضي، وهي مطالبة معقولة وبراغماتية لو صاحَـبَها اعتراف صريح بالمسؤولية عن إحداث هذه التغيرات، إذ يظل التجنيس العشوائي هو المتهم الأول في طمس هوية المجتمع، حيث استغله بعض رموز الأسرة على مدى أربعة عقود في تعزيز مواقعه السياسية والاجتماعية. ولم يكن تزوير انتخابات 1967، والانقلاب على الدستور في 1976 و1986، وإفساد المؤسسات الدستورية بالرشاوى والواسطة، إلا محاولات لإعادة بسط سلطة الأسرة الحاكمة، وذلك على حساب المصلحة العامة والتطور الطبيعي للديمقراطية.لا شك أننا نعيش واقعاً اجتماعياً وسياسياً علينا التعامل معه وتجاوز مسبباته، ولكن ما الذي يضمن لنا عدم استمرار العبث والدور السلبي لبعض أفراد لأسرة الحاكمة ليس فقط في الرياضة والتجنيس والمجلس، بل في المجالات المختلفة؟ فالمحاولات مازالت جارية، إذ لايزال مفسدو الرياضة في مواقعهم ويُـعدّون من يخلفهم ويكمل نهجهم، وها هو رئيس الوزراء يستقيل ويعود بالحكومة نفسها بهدف الالتفاف على الدستور وتعطيل حق الشعب بمساءلته. باختصار، ما الذي يضمن لنا ألا يأتينا أحد شباب الأسرة بعد أربعة عقود أخرى من العبث و«يُـنـَـظـّر علينا» بأننا متقوقعون في الماضي وعلينا القبول بالجرائم- أو «التغيرات» كما سيسميها- التي ارتكبها هو وأبناء عمه بحق الدولة؟