عشرة مليارات... قيمة الفجوة الغذائية
تابعت قبل عدة أيام حديثا صحافيا للأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية الدكتور أحمد الجويلي، تناول من خلاله محاور القمة الاقتصادية العربية القادمة، ولفت نظري اهتمامه بموضوع الأمن الغذائي، ومطالبته بسعي القمة إلى تحفيز تحقيق التكامل بتبادل المقومات الاقتصادية والبشرية بين الدول العربية، مستندا إلى دراسة أصدرها اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي، التي أوصت بضرورة قيام دول الخليج بجهود مشتركة لسد الفجوة في المواد الغذائية، والتي تقدر حسب الدراسة بما يقارب عشرة مليارات دولار.سلطت الدراسة الأضواء على ضرورة اهتمام دول الخليج بتحقيق التكامل الزراعي وأهمية التعاون مع الدول العربية، كالسودان واليمن للاستثمار الزراعي... شخصيا أتفق مع الدكتور جويلي بضرورة الاستفادة من القمة العربية لتكريس الاهتمام بدور دول الخليج في مواجهة أزمة الأمن الغذائي، خصوصا بعد ما ارتفع عدد السكان في دول مجلس التعاون إلى أكثر من 35 مليونا عام 2006، ومن المتوقع أن يصل إلى 85 مليونا عام 2020، وصاحب ذلك الارتفاع تضخم قائمة استيراد أغذية دول المجلس، ومازلنا حتى يومنا هذا نعتمد على الاستيراد لتأمين نحو 80 في المئة من احتياجاتنا الغذائية، ونكثر من الاستقدام غير المبرر للعمالة غير عابئين بما يسمى بـ«مخزون الأغذية»، ونصيب الفرد منه... فما هو الحل إذن؟
لو تابعنا جهود الدول الخليجية أخيرا في الاستثمار الزراعي، لوجدنا أن قرارات الاستثمار ليس لها علاقة بالدراسة التي أجراها اتحاد الغرف الخليجية، فدول الخليج قررت الاتجاه شرقا لتأمين الغذاء، فمنها من سعى إلى استيراد الأرز من الهند والباكستان وتايلاند، ومنها من اقتنص فرصا للاستثمار في مزارع كازاخستانية، ومنها من يسعى إلى شراء أراضٍ زراعية في فيتنام وكمبوديا وتركيا وتايلاند والفلبين... كل ذلك ضمن إطار حملة لتحقيق الأمن الغذائي، أما نصيب الدول العربية من الاستثمار الزراعي فمازال محدودا، وإن كانت هناك جهود لتأسيس شركات استثمارية لدراسة «الفرص الزراعية» في مصر والسودان واليمن.ونصيحتي لتلك الدول هي انتهاز الفرصة لتطوير قدراتها التنافسية وعدم الاعتماد على المساعدات، وعليها منافسة دول آسيا في تسهيل فرص الاستثمار الزراعي الدولي، والقطاع الخاص أيضا، وتوفير الأرضية القانونية المناسبة لإقامة منشآت لتخزين الأغذية والمحاصيل الاستراتيجية كالقمح، ونصيحتي لدول الخليج أيضا، عدم الاكتفاء بتمويل شركات الاستثمار الزراعي فحسب، بل الترويج للكفاءات الإدارية والنخب الاقتصادية الخليجية لإدارة تلك الأنشطة... قبل أن تشق «الكفاءات» طريقها للهروب إلى الخارج بسبب ضيق فرص العمل، وانتشار الفساد الإداري.وقبل أن أختتم حديثي هل تصدق عزيزي القارئ أن انطلاقة فكرة الأمن الغذائي كانت من الكويت عام 1977 في أول اجتماع للهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي، إذ تناول الاجتماع فرص الاستثمار في الأراضي الزراعية العربية تحسبا لأزمات اقتصادية قادمة، ولتقليل الاعتماد على الدول الكبرى، واليوم، وبعد واحد وثلاثين عاما، نعود «عشاقا للمربع الأول» الجملة التي يكررها الزميل الكاتب سامي النصف، ونحاول جاهدين الخروج من أزمتنا الغذائية القادمة، وضآلة مواردنا المائية، ونبحث عن آليات جديدة لنفخ عجلات التنمية، وسبل تجميع الدول العربية تحت مظلة الاستثمار؟!!