بالرغم من قناعتي بأن الدكتور الشريف يتحمل جزءا كبيرا من الملامة لوصول الأمور إلى هذا الحد وإيقاع نفسه في هذا الموقف الصعب، فإنني أراه من المرفوض تماما، ومن البعيد كل البعد عن الشهامة والمروءة أن تصل الأمور بالبعض إلى إطلاق مثل هذه التهمة في حق الرجل من غير دليل ولا مستندات واضحة.

Ad

يدرك د. محمد عبدالغفار الشريف أنه في تلك اللحظة التي قبل فيها أن يجلس على كرسي قيادة الأمانة العامة للأوقاف قد صار بحكم هذا المنصب شخصية عامة، وأصبح بعدها معرضا للانتقاد على كل مستويات إدارته لهذه المؤسسة الضخمة التي تهيمن على ملايين الدنانير، وأن كل حركاته وسكناته ستغدو مرصودة متابعة. وهذا ما حصل فعلا، فمنذ تلك اللحظة والدكتور يتلقى الكثير من النقد، وقد كنت أحد من انتقدوه ولأكثر من مرة، وبغض النظر عما إذا ما كان قد تقبل ذلك النقد أو رفضه، أو أحسن التعامل معه أو لم يحسن، فإنه ما كان ليقدر على إيقافه بطبيعة الحال، وما كان أمامه إلا أن يبتلعه كمكون أساسي من مكونات منصبه الكبير وإن كان مر الطعم.

كان الدكتور مجبرا على التأقلم مع النقد، بالرغم من أن بعض من انتقدوه، وكلنا نعرف ذلك، كانوا مدفوعين بدوافع بعيدة كل البعد عن الموضوعية كاتهامه تارة بأنه صوفي وتارة بأنه أشعري وهلم جرا، وأن بعضا آخر منهم لم يكن يريد إلا تصفية حسابات سياسية وإشعال معارك لم يكن الدكتور طرفا فيها في كثير من الأحيان.

لكن اليوم، وفي خضم الصراع السياسي الدائر، وجد الدكتور الشريف نفسه يتعرض لتهمة كبيرة وقاسية، تتجاوز كل ما سبق من نقد موضوعي وغير موضوعي، فهو اليوم متهم بالتجاوز المالي وبمبلغ ضخم جدا، وقد استجاب وزير الأوقاف وبشكل سريع لمن أثاروا هذه التهمة وأحال الملف للشؤون القانونية للتأكد من سلامته!

بالرغم من قناعتي بأن الدكتور الشريف يتحمل جزءا كبيرا من الملامة لوصول الأمور إلى هذا الحد وإيقاع نفسه في هذا الموقف الصعب، لأنه هو الذي لم يكن يستجيب للنداءات بفتح ملفات أمانة الوقف للتدقيق والمتابعة الشفافة، وبقي يتعامل مع الأمور بفوقية ومركزية ساحقة، فإنني أراه من المرفوض تماما، ومن البعيد كل البعد عن الشهامة والمروءة أن تصل الأمور بالبعض وبدافع الخصومات السياسية المحضة إلى إطلاق مثل هذه التهمة في حق الرجل من غير دليل ولا مستندات واضحة، بدعوى أنه إن كان بريئا فستنصفه الجهات القانونية.

كما أن استجابة وزير الأوقاف لمثل هذه الضغوط وتحويل الأمر إلى جهة التحقيق القانونية دون دافع دامغ ومعتبر، ومهما حاول تلطيف المسألة بتصريحاته المنمقة، ليس مقبولا لأنه سيكون ضارا وبشكل بالغ للرجل في كل الأحوال في ظل هذا الجو السياسي المحتقن وتحت مظلة الإعلام غير المنصف الذي ينشر أخبار الفضائح في صفحاته الأولى، وينشر أخبار تكذيبها في أصغر سطور الصفحات الداخلية، والوزير، وهو عضو برلماني سابق، يدرك ذلك تمام الإدراك!

كان من الأجدر بالوزير أن يمرر الموضوع من خلال القنوات الإدارية المخولة بالتعامل مع مثل هذه الأمور، قبل القفز لإلقائه في دائرة التحقيق القانوني. واضح جدا كيف أن معالي الوزير أراد بتصرفه المندفع هذا أن يهرب بجلده من أن يصبح خصما سياسيا مع الجماعة التي تريد رأس الدكتور الشريف، وألقى عوضا عن ذلك بالدكتور الشريف في موقع المشتبه فيه، وهو بالضبط ما كان يريده من أطلقوا هذه التهمة الشنيعة!

لست هنا أدافع عن براءة الدكتور الشريف، فالمستندات كفيلة بذلك، وهو لن يعجز عن الدفاع عن نفسه، لكنني آسف على وصول بعض سياسيينا إلى هذا الفجور القاسي في الخصومة!