العراق لن يكون أول دولة عربية تسمح بإقامة قواعد عسكرية أميركية والخليج العربي مليء بالقواعد العسكرية الأميركية، ومياهه تعجُّ بحاملات الطائرات الأميركية.

Ad

-1-

لم تُثر اتفاقية أو معاهدة عربية بين أي قطر عربي وأي قطر غربي من الزوابع، ومظاهرات الاحتجاج على صفحات الصحف، وفي المواقع الإلكترونية، وفي المنتديات، وعلى منابر المساجد ما أثارته مسودة الاتفاقية الأميركية-العراقية الأمنية. والأسباب في ذلك تتلخص في ما يلي:

1- أن هذه الاتفاقية بين دولة عظمى حاضراً، ودولة عربية عظمى مستقبلاً قريباً، بما تملك من عناصر العظمة، ما لا تملكه أي دولة عربية أخرى.

2- أن هذه الاتفاقية، تأتي في ظروف دولية وإقليمية متميزة. فسمعة أميركا، أحد طرفي هذه الاتفاقية في الحضيض في العالم وفي الشرق الأوسط خاصة، لعدة أسباب، منها سياسية وعسكرية واقتصادية. كذلك، فإن أعداء أميركا والعراق في المنطقة كثيرون، وعلى رأسهم إيران التي تهيئ نفسها لأن تكون قوة إقليمية عظمى بإنتاجها القريب للقنبلة الذرية، ودخولها النادي النووي العالمي. كذلك، فإن سورية تعتبر نفسها «الديك العربي الفصيح» الآن، والتي تعادي وتلاحق الظل الأميركي في كل مكان من العالم العربي، وتقضَّ مضاجعه في العراق، لبنان، وغزة.

3- مازال العراق، ومازالت منطقة الجنوب منه تخضع للسيطرة والنفوذ الإيرانيين. وفي كل يوم، تنقل لنا الأخبار عن عناصر جديدة سياسية وعسكرية ولوجستية لمدى النفوذ والسيطرة الإيرانية على العراق.

-2 -

كتبتُ في مقال سابق بعنوان «لماذا كل هذا الفزع من الاتفاقية الأميركية-العراقية؟» (22- 6- 2008) أقول متسائلاً:

لماذا كل هذا الفزع من مسودة الاتفاقية العراقية-الأميركية؟

فهل العراق هو أول دولة عربية في التاريخ العربي المعاصر، توقّع اتفاقية تعاون مع دولة غربية كأميركا؟

فالإمارات العربية المتحدة، وقعت اتفاقية دفاع مشترك بينها وبين فرنسا في عام 1995، ثم اتفاقية عسكرية لإقامة قاعدة عسكرية في الخليج العربي عام 2008.

ووقعت قطر على اتفاقية عسكرية بينها وبين بيلاروسيا في هذا العام 2008. كما سبق لقطر أن وقعت اتفاقية لإقامة أكبر قاعدة عسكرية أميركية خارج أميركا في قطر في منطقتي «السيلية والعُديد».

ووقع العراق اتفاقية استراتيجية بينه وبين الاتحاد السوفييتي عام 1972 لمدة 15 عاماً بعد تأميمه للنفط العراقي.

وهناك عدة اتفاقيات تمَّ توقيعها بين مصر والاتحاد السوفييتي السابق وبين سورية والجزائر والاتحاد السوفييتي، فلم يعترض عليها أحد، ولم تُقدح الحناجر لمهاجمتها.

العراق لن يكون أول دولة عربية تسمح بإقامة قواعد عسكرية أميركية والخليج العربي مليء بالقواعد العسكرية الأميركية. ومياه الخليج تعجُّ بحاملات الطائرات الأميركية.

فلماذا إذن، تهاجم بعض أجهزة الإعلام العربي والإيراني خاصة، وبعض الكتّاب العرب الموالين للحلف الرباعي (سورية- إيران- حزب الله- حماس) هذه الاتفاقية العراقية-الأميركية؟

- 3 -

والأجوبة عن هذه الأسئلة، تكمن في سيطرة إيران هذه الأيام على مقدرات السياسة العراقية، وفرض هذه السياسة المعادية لأميركا على الأحزاب الرئيسة في منطقة الجنوب العراقي، إلى حد أن بعض الأنباء القادمة من بغداد، تقول إن إيران تدفع أموالاً طائلة لبعض النواب العراقيين الحلفاء لها للتصويت في البرلمان العراقي ضد هذه الاتفاقية. ومن المعلوم أن معظم رجال الدين الشيعة في العراق من السياسيين وغير السياسيين هم ضد هذه الاتفاقية، لأن إيران لاترغب بها، وتريد أن يبقى العراق ومستقبله مرهوناً للسياسة الإيرانية كما هو حاله الآن. ومن جهتها تحاول سورية إقناع النواب من حزب البعث بعدم الموافقة على هذه الاتفاقية، وتعطيل التوقيع عليها. فأصبح الاحتلال في العراق حقيقةً ليس احتلالا ً أميركياً، ولكنه احتلال إيراني-سوري. وأن العراق أصبح أرضاً للصراع بين قوى إقليمية (سورية وإيران وحزب الله) وقوى عالمية (أميركا).

وهذا ما يدركه العقلاء في العراق من الكُرد والعرب. فالكُرد بكل عقلانية وواقعية، قد رحبوا من خلال قيادتهم بهذه الاتفاقية، وطالبوا بالتوقيع عليها حماية للعراق من أي تدخل خارجي إيراني-سوري. والعقلاء العرب من أمثال مثال الألوسي النائب في البرلمان وزعيم «حزب الأمة»، وإياد جمال الدين، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب العراقي.

وقال جمال الدين: «لا أستبعد جداً أن مرجعاً دينياً في قُم يُحرّم الاتفاقية، دون أن يطّلع عليها. أما نحن فلا نريد أن يكون العراق ورقة بيد إيران، تفاوض، وتساوم عليها الولايات المتحدة الأميركية، وتقول إن الأمر بيدي، تعالوا اطرقوا أبوابي، لكي تمر الاتفاقية أو لا تمر».

وأردف جمال الدين: «هنالك قادة سياسيون في العراق، وهنالك برلمان في العراق، ولسنا بحاجة إلى فتاوى من خارج الحدود، تحدد لنا تكليفنا الشرعي» .

-4 -

لقد كتبَ كثيرٌ من الكتاب العقلاء العراقيين كعزيز الحاج، وعبد الخالق حسين، وعدنان حسين وغيرهم، عدة مقالات مؤيدة لهذه الاتفاقية. وفي هذه المقالات تجلّت العقلانية العراقية في أبرز صورها، وأنقى أفكارها، بعيداً عن الإنشائية والعاطفية، والخطابية، واللغة الموجهة من إيران، ومن سورية. فكان هؤلاء العقلاء وغيرهم، بمنزلة ضمير العراق الحي، الذي يرفض كل ما هو ضد مصلحة العراق، ويقبل كل ما فيه مصلحة العراق، بعيداً عن إغراءات المال، والهيمنة الإيرانية -السورية.

فكتب عبدالخالق حسين مقالاً عقلانياً وواقعياً بعنوان «الاتفاقية... أو الطوفان» ذكَّرنا بعنوان كتاب المصلح السياسي والديني المصري خالد محمد خالد عن ضرورة الحرية والديمقراطية، وإلا فالطوفان «هذا... أو الطوفان». وقال عبدالخالق حسين في مقاله العقلاني:

«العراق يحتاج إلى هذه الاتفاقية أكثر من أميركا، لأن مستقبله مازال مهدداً بسبب تكالب بعض دول الجوار والإرهاب الديني عليه. فبعد استئصال السرطان البعثي بعملية جراحية كبرى، مازال العراق يعاني عواقب العملية، وإرهاب فلول البعث الفاشي وحلفائهم من أتباع منظمة القاعدة الإرهابية، والميليشيات المدعمة من إيران. والقوات العراقية المسلحة مازالت في طور البناء ولم تكتمل بعد، وهي مازالت مخترقة بالألوف من البعثيين والإرهابيين وأعضاء الميليشيات الحزبية التي تدين بالولاء لأحزابها وليس للدولة».

* كاتب أردني