الأموال العامة والأزمة الرأسمالية المالية

نشر في 05-11-2008 | 00:00
آخر تحديث 05-11-2008 | 00:00
 د. بدر الديحاني مما لا شك فيه أن للأزمة الرأسمالية المالية التي حدثت أخيرا ولاتزال تداعياتها تتوالى انعكاسات مباشرة على اقتصادنا الوطني ومؤسساتنا المالية. ولا شك أيضا أن استقرار اقتصادنا الوطني والمحافظة على تماسك مؤسساتنا المالية والمصرفية من الأولويات الوطنية، ولكن ذلك لا يتم البتة من خلال تبذير وهدر واستغلال المال العام الذي ينتج عن طريق اتخاذ قرارات سريعة خاطئة أو قصور ونقص في القوانين المنظمة لآليات الصرف أو ضعف في فعالية عمليات المتابعة والرقابة.

إلى أي حد ستؤثر الأزمة الرأسمالية المالية الحالية في اقتصادنا الوطني؟ وهل هذا التأثير هو نتيجة لقرارات صائبة أم خاطئة؟ ومن المسؤول عن خطئها؟ كل هذه أسئلة مهمة ولكن إجاباتها غير متوافرة الآن نتيجة لغياب أو عدم دقة المعلومات الرسمية، ولنقص الشفافية في القرارات الاقتصادية والنقدية التي يتم اتخاذها. ولكن الشيء المؤكد هو أن المال العام سيتحمل جزءا من تبعات الأزمة الرأسمالية المالية الراهنة. كم هو هذا الجزء بالضبط؟ يبدو أنه لا أحد يعرف مع أن المفروض أن يكون لدى السلطتين معرفة دقيقة بما يجب أن يتحمله المال العام.

قد يقول قائل إن الحكومة ومجلس الأمة «أبخص»، أي أدرى، لأن الحكومة هي التي تدير أموالنا تحت رقابة مجلس الأمة، إلا أنه وفي ظل التسابق الحكومي-النيابي على اتخاذ قرارات وتشريع قوانين يترتب عليها استنزاف وهدر للمال العام من دون دراسة وافية وبشكل انفعالي وسريع نتيجة لضغوط مصلحية معينة أو كردة فعل عشوائية، فإننا نشك في أنهما «أبخص» وهنالك أمثلة على ذلك:

المثال الأول: هو القانون المتعلق بضمان الودائع البنكية الذي أصدره مجلس الأمة بلمح البصر بعد أن صوت أغلبية الأعضاء على المداولتين في نفس الجلسة، رغم أن مشروع القانون لم يكن مدرجا بالأساس على جدول أعمال المجلس، ولم تدرسه أي من لجانه المختصة، اللهم إلا منح اللجنة المالية مدة ساعة واحدة فقط أثناء الجلسة لإعداد تقرير سريع بشأنه، مع أن أعضاء المجلس ككل تنقصهم من دون أدنى شك المعلومات المالية الدقيقة والوافية والحديثة التي من الممكن أن تبنى عليها سياسة مالية عامة، تتعلق بكيفية معالجة الانعكاسات المعقدة للأزمة المالية الحالية. لذا فلا عجب بأن يأتي القانون فضفاضا في بعض جوانبه وقاصرا في بعضها الآخر، فعلى سبيل المثال لم يتم تحديد سقف أعلى للودائع أو المدخرات التي يضمنها البنك المركزي، وبذا ساوى القانون بين عملية ضمان وديعة تستحق الضمان مبلغها عشرة آلاف دينار مع أخرى لا تستحق الضمان تتجاوز قيمتها المليار دينار، تحت حجج مضللة مثل حماية مدخرات المواطنين (في الولايات المتحدة تم تحديد سقف الوديعة بـ120 ألف دولار للفرد وفي بريطانيا 50 ألف جنية إسترليني للفرد وفي تركيا 39 ألف دولار وفي دول أوروبا 100 ألف يورو، وفي بعض الدول ضمنت الودائع لفترة زمنية قصيرة فقط)، وغير ذلك من عيوب ومثالب ونواقص، وهذا ما يذكرنا بما تم بالضبط عند معالجة ذيول أزمة المناخ وصدور ما عرف بقانون المديونيات الصعبة!! وما ترتب عليه من هدر في الأموال العامة.

أما المثال الثاني فهو قيام الحكومة بتأميم بنك الخليج من خلال ضخ الهيئة العامة للاستثمار مبلغ 400 مليون دينار، واستعدادها لإقراض المؤسسات والشركات الخاصة بعد أن كانت قد قامت قبل ذلك بضخ بلايين الدنانير في سوق الكويت للأوراق المالية، من دون وجود ضوابط قانونية ومالية كافية وفي ظل غياب آليات فاعلة للرقابة والمتابعة، مما قد يحمل المال العام تبعات التصرفات غير المسؤولة من قبل الشركات والمؤسسات المالية الخاصة. كل هذا يتم في الوقت الذي بدأت تتكشف فيه شيئا فشيئا في بعض مؤسسات الدولة حالات فساد مالي وإداري تزكم الأنفس.

بعد هذا أليس من حقنا أن نقلق على مصير أموالنا العامة واحتياطيات أجيالنا القادمة؟

back to top