كلما طُرح موضوع الإرهاب يظن المرء أنه محصور فقط في تلك الفئة أو المجموعة التي نراها في أجهزة الإعلام المختلفة، تروع الآمنين وتقتل الأبرياء في الأسواق والشوارع، وتحت مسميات شتى... وأن هذه الفئة الضالة هي الإثم الوحيد في كوكبنا، ولولاها لكان نومنا أكثر هدوءا وأوطاننا أكثر أمانا، بل لتحولنا إلى طور المدينة الفاضلة... هكذا أُفهمنا... وهذا ما أريد لنا أن نفهمه.

Ad

التعامل الرسمي العربي مع قضية الإرهاب لم يكن من باب القناعة بأهمية الموضوع ومشروعيته، إنما خوفا وطمعا بالرضا، وذلك لمقدرة القطب الأوحد على زعزعة كراسي الحكم المشرقية الفاقدة للمشروعية والقابلة للمرونة حسب الطلب -حسب رؤيته- فكان القبول بكل ما تفرضه أجندته متى أصبحت الأجهزة الأمنية العربية عموما تحت تصرفه بالكامل... بل وصل الأمر ببعضهم إلى إيجاد حالة من الإرهاب الداخلي ليؤكد استهدافه كي يحظى بالرعاية ويصبح في دائرة الأمان الدولي، ليتسنى له البطش بالمعارضة وتفكيك أوصالها وتلفيق التهم لها بما يستطيع، وبما ينسجم مع قانون مكافحة الإرهاب المغطى دولياً لتلافي السؤال والمسؤولية عن التبعات، وليؤكد مشروعية طوارئه واستثنائية محاكمه في لجم التطرف.

والمفارقة أن الحصاد الأكبر كان أميركياً- وهذه تحسب للنظام العربي- إذ استطاعت آلة الحرب الأميركية فعل كل منكر من احتلال وتدمير، واختراق سيادات الدول، وتعطيل كل قانون يحد من حركتها، ويوقف جنونها، حتى باتت دولة فوق الجميع، وفوق أي شريحة وقانون رغم عناوين الإنسان وحقوقه وشموخ تمثال الحرية في وسطها.

الغارة الاختراقية الأميركية على منطقة البوكمال السورية التي قتل فيها مدنيون أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل في الإرهاب- سوى إرهاب الفقر والحرمان- ودون مبرر لهذا العمل الإجرامي تندرج ضمن شريعة الغاب السائدة دولياً، وأيضا ضمن التشطيبات النهائية للرئاسة الأميركية قبل نهاية فترتها... وربما لحسابات انتخابية تخص الجمهوريين، ولا ندري إن كانت لحسابات عراقية داخلية تتعلق بتوقيع المعاهدة، وإظهار مدى أهمية الوجود الأميركي للعراق، والاحتمال الأخير أن تعمق الشروخ مع سورية لتصعيب مهمة ترميمها أو إحيائها رغم أن هذه العلاقة شهدت في الآونة الأخيرة تطوراً ما إثر الإجراءات السورية في العراق ولبنان، ولكنها الأجندة الأميركية التي «لا حدود لشروطها ولا خريطة لتماديها».

ندرك أن ميزان التفوق الأميركي يمنع التصادم مع أميركا عسكريا مهما امتدت عربدتها وامتد اختراقها... وهذا لا يعني أن الرد غير متوافر لغياب التوازن وأي وسيلة دولية للردع، فالإجراءات التي اتخذت حتى الآن معقولة ولكنها ناقصة، وتحتاج إلى إجراءات أكثر شجاعة لتدعيم الوحدة الوطنية، فالشعوب المقيدة لا تقوى على المواجهة إلا بحدود التظاهر الرسمي والشجب... فهل فكرنا يوما بدعم حريتها من خلال إصلاح الحياة السياسية من تعددية حزبية حقيقية وانتخاب ديمقراطي حر كونها لا تعرف سوى الحزب الحاكم مرجعية للبلاد من المهد إلى اللحد- مع احترامنا لأحزاب الديكور- ولا تعرف أيضا سوى الطوارئ دستورا للبلاد، ولأنها لم تتمكن يوما من قلب الطاولة على مرتشٍ، ولم تُمنّن يوماً بمقدرة العدالة على إدانة مسؤول فاسد من غير قرار سياسي، ولم تقتنع لحظة بأن معتقلي الرأي تقلص عددهم إلى المئات، ولم تقرأ يوما بأن رأساً من الدولة انتصر لجائع أو مظلوم أو أعلن مصير مفقودي الأوطان... فبمن تتصدى للأعداء ببيانات الشجب؟ أم بالجوعى والمظلومين والمقهورين؟ أم بعبث الفاسدين؟ أليست هذه نقصاً بالإجراءات الضرورية لتحقيق الوحدة الوطنية؟ فهل يمكن الرد بغيرها؟ فالحرية والمزيد منها هي ضمانة الأوطان والشعوب ودرع الحماية لهما... لأن الشعوب الواعية الحرة هي الأقدر والأقوى والأصلب على الدفاع عن وجودها ومصالحها ضد هذا العدوان وغيره الذي هو أحد إفرازات السياسات العربية التي هزمت الإنسان من غير حروب ولا صراعات، وأبقت النخب الحاكمة أسيرة الإملاءات والتسويات، وذلك لعدم وجود شرعية تحميها وتخفف عنها عبء الضغوط الدولية.

الشجب والإدانة هما ما تبقيا لنا من حمية النظام العربي تجاه الاعتداءات المختلفة، ولكن هذه اللغةالتي لا تسمن ولا تغني من جوع اختفت تقريبا، وهي بمنزلة «واجب عزاء»... وهذا يدل على المأزق الخطير الذي وصلنا إليه، والذي يمنعنا من التعزية، وحتى رد السلام، فهل وصل العجز العربي إلى هذه الدرجة؟ أم أنها الالتزامات الدولية الواجبة الاحترام؟!