يوم إثر يوم أزداد قناعة بصغر العالم، وليس هذا من باب القول، بل من باب حقيقية الواقع العلمي والتقني والفكري والثقافي والفني والإعلامي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي والعسكري والرياضي الذي يعيشه العالم. نحن نعيش عالماً صغيراً ينكشف ويتأثر ويؤثر، لحظة بلحظة، في بعضه البعض، ونعيش في عالم، يمس التغيير فيه كل قرية وزاوية نائية، ونعيش عالماً صار من المستحيل أن يحيا إنسان فيه معزولاً ومنعزلاً عما يدور من حوله.
تابعت، بشكل أو بآخر، السباق المارثوني للرئاسة الأميركية، وكنت، منذ البدء، انطوي على رغبة دفينة تتمنى فوز المرشح السيناتور «باراك أوباما». ولم يكن ذلك بدافع سياسي، بل بسبب إيماني بأن تغيراً كبيراً ومؤثراً سيمسّ العالم بأسره، متى وصل هذا الرجل الى دفة الحكم في البيت الأبيض. أكتب مقالي بعد ظهور نتيجة الانتخابات، وفوز باراك أوباما ليكون الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة الأميركية، وها أنا إذ أعبر عن غبطتي بفوزه، أقول بتواضع كبير، التغيير قادم، التغيير الذي سيشمل العالم، التغيير الذي سيعرف طريقه الى قلوب الملايين من البشر، التغيير الذي سيشكل منعطفاً في كتاب التاريخ البشري. إن وصول رئيس ببشرة سمراء إلى البيت الأبيض ليس بالأمر العادي، وهذا الأمر لن يقف عند أثره في الحياة السياسية والاجتماعية الأميركية، بل ان أثره الأهم والأعمق، هو في كونه شكّل حدثاً ودافعاً كبيراً سيهز قلوب الكثيرين حول العالم، بإمكانية تحقيق حلم ما. وصول أوباما الى البيت الأبيض، سيطلق أحلام الملايين بوصولات كثيرة مأمولة. نجاح أوباما سيبذر الأمل في قلوب الكثيرين حول العالم بنجاحات مماثلة. ظهور أوباما وحركته كرئيس للولايات المتحدة الأميركية، سيكون محركاً لظهورات كثيرة حول العالم، تنتظر لحظة صعودها الى درجات مسرح الحياة. نعم شرارة الفعل الإنساني ظلت عبر التاريخ تنتشر بين البشر. الحرف واللغة والفن والطب والكيمياء والفلك والرياضيات، كانت، في يوم ما، حدثاً انطلق في مكان محدد، وما لبث أن اجتاح العالم، ولم يكن العالم مؤهلاً لارتداء ثوب التغيير كما هو اليوم، بعد انفجار ثورة المعلومات والاتصال وشبكة الإنترنت. شاب من عرق إفريقي يتصل بالإسلام عن طريق أبيه، ويتصل بالمسيحية عن طريق أمه، شاب درس في أكثر من بلد، وتدفقت دماء التنوع الإنساني والفكري في جسده وعقله، وعاش شبابه في الولايات الأميركية، ودرس في أهم جامعاتها، وتخرج محاميا مفوها يؤمن بالتنوع البشري، وبلغة العصر، وبوحدة العالم، ويؤمن قبل هذا وذاك بفعل التغيير. إن وصول شاب، بمواصفات أوباما، إلى رئاسة أعظم دولة في العالم، سيكون وهجاً يمسّ بناره أحلام وقلوب وأماني وإرادات الملايين. قد أبدو متحمساً، وقد أبدو مبالغاً، لكنني أكتب مقالي هذا، وقد يقرأه حفيدي بعد عقدين من الزمن ليرى كم كنت محقاً في ما ذهبت إليه. التغيير قادم، وأهم ما يميّز وصول أوباما، هو أنه رمز إنساني كبير، حمل مشعل التغيير، وخلفه سيسير الملايين، كل يحمل مشعله وحلمه مهما تواضع هذا المشعل، ومهما صغر هذا الحلم. إن قيمة الحياة الأهم ترتبط بحلم يقود خطوها، يظل مشتعلاً في القلب، ومتغيراً من يوم إلى آخر، ويظل الإنسان يطلّ من نافذته، يرنو إلى القادم من الأيام، متشوقاً لتحقيقه.
توابل - ثقافات
نافذة حلم التغيير
11-11-2008