نشرت جريدة «الآن» الإلكترونية قبل أيام خبرا عن نية النائب الفاضل علي الدقباسي تقديم مشروع قانون لتوحيد الجنسية الكويتية، وكالعادة انهالت التعليقات الكثيرة من القراء الأكارم، تحمل في عباراتها روح العنصرية والإقصاء والتصنيف، فقد شن السادة النبلاء هجمة عنيفة وشرسة على السيد النائب وعلى كل من يحمل الجنسية الكويتية بالتجنس، لأن هذا الوطن كما يظنون وطنهم وحدهم، كل شبر فيه مكتوب باسمهم، ولا يحق لأحد أن يشاركهم الحب والانتماء والإخلاص له، فهم «الأصليون» وكل ما عداهم دخلاء طارئون على هذه الأرض، ولأنه «مو كل كويتي كويتي»!

Ad

يوما بعد يوم يتأكد لي أننا شعب النحاسة والحسد الأول على مستوى العالم، ولدينا عشق عظيم للتصنيف، نابع من كراهيتنا العميقة للمساواة بين المواطنين كافة، ولأننا نؤمن إيمانا تاما بأن الناس مقامات، وماداموا كذلك، فلابد أن يكون المواطنون مقامات أيضا، فأنا أفضل منك لأنني حضري وأنت بدوي أو العكس، وأنا خير منك لأنني سني وأنت شيعي أو العكس، وأنا من المناطق الداخلية وأنت من المناطق الخارجية، وأنا من عيال بطنها وأنت من عيال ظهرها، وأنا من عيال الديرة وأنت «حبربش»، وأنا ولد نعمة، وأنت «هيلقي»، وقبل هذا وذاك، أنا كويتي أصلي وأنت كويتي تقليد! «يا حليلنا والله نضحّك»، كل هذه التصنيفات وعددنا «يادوبك طاف المليون!».

أكثر التعليقات كانت تدور حول: كيف يتساوى من أتى إلى هذه الأرض منذ ثلاثمئة سنة مع من أتى إليها منذ خمسين سنة؟! وبالطبع، فإن الإخوة المتسائلين لا يقصدون أنفسهم، وإلا كانوا ديناصورات، بل يقصدون أن أجدادهم الأوائل قد قدموا إلى الكويت منذ 300 سنة، وليسمحوا لي، هذا كلام غير دقيق بالمرة، لأن من قدموا إلى الكويت في تلك الحقبة الزمنية كانوا عائلات محدودة ومعروفة للجميع، ولا أظن أن الإخوة المعلقين ينحدرون كلهم من هذه العائلات الكريمة، لأن معظم الكويتيين كما يعلم الجميع وفدوا بعد ذلك بمدة طويلة، ومن أصول ودول وأعراق شتى، منهم من جاء بعد مئة سنة، ومنهم بعد مئتين، ومنهم أقل من ذلك أو أكثر، ولاشك أن للمهاجرين الأوائل فضلا كبيرا في نشأة الكويت ومسيرتها التاريخية كإمارة، ثم كدولة بعد ذلك، ولا يمكن لأحد أن ينكر ما قدمه هؤلاء الرواد الأوائل وعائلاتهم الكريمة من عطاء وتضحية لهذا البلد، لكن لنكن واقعيين ومنصفين بعض الشيء، ما شأن تاريخ الأجداد الحافل والجميل بمقدار وطنية أحفادهم؟! وهل أقدمية وأسبقية الجد في الوصول إلى الكويت عام 1910 مثلا، تجعل من حفيده أكثر حبا وولاء وإخلاصا للوطن من أحفاد الآخرين الذين أتوا في عام 1920 أو 1930مثلا؟! ثم هل وصولي أولا يجعلني أحصل على امتيازات إضافية أكثر من الآخرين؟!

لو طبقنا هذا القياس على أمور شتى لاتضح لنا فساد منطقه، فعلى هذا القياس سيكون أول من يصل إلى الطبيب هو الأشد مرضاً والأكثر استحقاقا للرعاية وللدواء من باقي المرضى، وسيكون أول من يصل إلى المدرسة هو أكثر الطلبة حبا للدراسة، ويستحق أن تعطى له العلامة الكاملة في المواد كلها، وسيكون أول من يدخل إلى قاعة عبدالله السالم من السادة النواب هو أكثرهم نزاهة وأمانة وإخلاصا... وهلم جرا.

الوطنية أيها الإخوة والأخوات عمل، وضمير، وتضحية، لا أسبقية أو أقدمية، وهي مغروسة في قلب كل منتمٍ إلى هذا الوطن، لا يعلم مقدارها إلا الله وحده، فهي لا تظهر إلا وقت الشدائد والنوائب والمحن، ومن العيب علينا أن نزايد على بعضنا بعضا في قضية الوطنية والانتماء والإخلاص للوطن، وفقا للمواد الواردة في وثيقة الجنسية لكل منا، وهل هي مادة أولى أو ثانية أو خامسة أو ثامنة، فوثيقة الجنسية مجرد ورقة إثبات للمواطنة، لا إثبات أو تصنيف لدرجة الوطنية، والفارق كبير بين الاثنين لو كنتم تعلمون!

لنرتقِ قليلا بوعينا وممارساتنا، ولنتعلم قليلا من العالم المتحضر معنى أن يكون المواطنون متساوين في الحقوق والواجبات، وأن يتم التعامل معهم وفق ما يقدمونه لأوطانهم لا وفق التاريخ الذي وفد فيه أجدادهم، إن «آرنولد شوارزنيجر» الممثل النمساوي الأصل، هاجر إلى الولايات المتحدة عام 1968 وهو شاب في سن الثانية والعشرين، لكن هذا لم يمنعه من أن يصبح حاكما لولاية كاليفورنيا بعد أقل من 25 سنة، أما «باراك أوباما» الذي ولد لمهاجر كيني الأصل عام 1961 يتولى الآن رئاسة أعظم دولة على وجه الأرض، ولو كان الاثنان قد قدما إلى الكويت لما منحا الجنسية، ولتم وضعهما في التصنيف الخاص بهما، في دولة التصنيفات العظمى!