الليلة هي ليلة «مفترجة» على «الحبِّيبة»، وهي في نفس الوقت ليلة «رمادية»، وحتى لا أقول سوداء على مراقبي وزارات الإعلام والتجارة والداخلية لو وقعوا في أي زلة لا تلبي مطالب «ثوابت الأمة» و«الظواهر الدخيلة» ومن لفّ لفيفهم، في قمع أي نظرة حب أو لمسة «حُنينة»، أو انتقال وردة حمراء من واجهة محل زهور إلى يد هيفاء أضناها الفراق من عاشق على «قدّ حاله» لا يستطيع أن يشتري هدايا «الماركات»، ويكتفي بتلك الغانية بحُمْرة أوراقها لتعبر باللون والعطر عن مكنونات قلبه، أو إذا غفوا عن حفلة عامة يروّح فيها عن النفوس ويغذّي الإنسان فيها الروح.
غداً هو يوم الحب أو عيده، كما اتفقت أغلبية البشر حول العالم دون أن تأخذ إذناً من حكومة أو من حاكم، فالمشاعر الإنسانية لا تحدّها حدود ولا تمنحها سلطة أو تقمعها، ولن يستطيع أحد أن يمنع الناس أن يحتفلوا بها إن أرادوا ذلك. أما اسم فالنتاين «الهايف» وقصصه «الهايفة» أيضاً، كما يقول ويصر مدرس التربية الإسلامية الأزهري لابني، لا تتجاوزان كونهما سبباً للمناسبة التي لا تعلم الأغلبية التي تحتفل بها من هو، إن كان قديساً أم اسماً لصاحب ماركة عطور فرنسية أو «إكسسورات» حمامات إيطالية، ولكن العالم الحديث بماديته وسرعة رتمه وشدة احتياجاته هو الذي أحيا تلك المناسبة لحاجته إلى إنعاش أحاسيسه البشرية بين زحام المصالح، والمادة والتنافس المحتدم في العالم، والذي نجده في مجتمعنا بشدة في السنوات الأخيرة، وإحدى صوره عندنا تتمثل في تناحر الكتل البرلمانية والنواب والحكومة، وهم واجهة البلد وقدوة أجياله المقبلة. ولو عرفنا معنى الحب الحقيقي بكل معانيه العامة والخاصة، والتعبير عنه للطرف الآخر لحللنا مشكلات كثيرة، وبرلماننا الموقر نفسه الذي يحارب جلُّ أعضائه مناسبات الفرح، هو في أشد الحاجة إلى أن يظهر مشاعر الحب والمودة بين أعضائه لتصفو النفوس بين الليبرالي والسلفي... والمعارض والحكومي، ولنا أن نتصور لو تبادل النائبان محمد هايف وصالح الملا، في هذا اليوم، الزهور فتصفو الأمور بينهما، وتصبح اجتماعات لجنة الظواهر هي لقاء للمودة، يحده «عش» الدستور ومواده التي تضمن حريات المواطن، ولو أهدى النائب أحمد المليفى «شوكولاتة فالنتاين» البلجيكية لزميله مسلم البراك لأنهى الجفاء بينهما ولوعة الاشتياق لمواقفهما المشتركة في مجلس 1996! فالحب لا يقتصر على المشاعر المتبادلة بين الرجل والمرأة، فهو حالة تضم علاقات إنسانية واسعة، ويمكننا أن نطور عيد الحب في الكويت ليكون حالة تعبير عن الحب والمودة للوطن ولجميع من نرتبط بهم: للأسرة الكبيرة والصغيرة والأصدقاء والزملاء في العمل، والجيران وكل من يمكن أن نصل إليه من معارفنا، لنعبر عن مشاعر نكبُتها في زحمة الأيام، واللهاث خلف حاجاتنا طوال العام. ما المانع أن ندخل مساء اليوم إلى بيوتنا ونحن نحمل باقة ورد حمراء لأبنائنا وزوجاتنا، متغاضين عن أي شيء قد يعكر صفو هذا اليوم، خصوصاً تعليق أم العيال المتوقع عندما تقدم لها باقة الورد وأنت تسبل عينيك فتصدمك قائلةً: «ورد... هذا اللي الله قدرك عليه»؟ و«نوسع صدورنا» لنكمل الليلة على خير، بانتظار أمسية رومانسية على ضوء الشموع بعد أن منعوا الناس حق الفرح والاحتفال في الأماكن العامة... تحبس فيها أنفاسك وتتغلب على نعاسك المفاجئ، وأنت تتابع شريكة الدرب، وهي تدير مفاجآت وفقرات تلك الليلة بعد أن تلتقط وتتغنج بذلك الرداء الذي ينافس لون الورد في حمرته، والمنسي منذ سنوات في أحد أركان «الكَبَتْ»*، * أي «الخزانة» في العامية الكويتية.
مقالات
فالنتاين هايف ... على ضوء الشموع
13-02-2009