بعد تحرير الكويت وفي مطلع عام 1991 كانت البنية التحتية للوطن مدمرة تدميرا وحشيا هائلا، وكانت آبار النفط لم تزل تشتعل بالنيران وكانت القلوب والمشاعر تشتعل مثل تلك الآبار، وكان الكثير من الامكنة الجميلة التي اعتدنا ارتيادَها كشعراء قد تحولت إلى أطلال أو تبدلت عما كانت عليه، ولذلك انفرط عقد شعراء الثمانينيات الشعبيين لأنهم تحولوا إلى نجوم في سماء الشعر وانفضوا من حولي، وأصبح كل منهم يجري لإصلاح الدمار الذي أصاب بيته وذاته، بل إن بعضهم توزّع في سماء الجزيرة العربية واتخذ كل منهم مدارا خاصا به، آنذاك ورغم ما أصاب الروح من شرخ كبير من جراء الغزو وانقلاب المفاهيم فتحول الصديق إلى عدو، والجار الى حقود، وأصاب أهل الكويت الشك في كل شيء من تلك الصدمة التاريخية الرهيبة المدوية، أقول وفي تلك المرحلة القاتمة واختلاط القيم، أحسست بعراء في الروح، وغربة كلية أشد وطأة مما كنت أعانيه من «اغتراب شعري» ذاتي قبل الغزو؛ لذا لجأت إلى سلاح الشعر وضوئه للتفاهم مع الحياة الجديدة في الكويت؛ ولذا اخذت تتشكل حلقة صغيرة من الشعراء الشباب الذين يكتبون القصيدة الجديدة مثل: دخيل الخليفة، وأحمد النبهان، وإبراهيم الخالدي، وسعد فرحان، وصلاح دبشة، وعلي الصافي، ومحمد النبهان وغيرهم، وهكذا أخذت تكبر الشلة شيئا فشيئا. وذات يوم جاءنا أحد الشعراء ومعه رجل أبنوسي أسود طويل القامة، نحيف البنية، عرّف به هكذا: الشاعر التشادي آدم يوسف. وقد رحبنا بآدم اجمل ترحيب وفجأة اندمج مع الشلة وراح يسمعنا من شعره العذب ما امتعنا بعض الوقت ثم وجدتني أتوجه إليه بسيل من الأسئلة عن شعراء الأدب الاسود، أي الافريقي، ماذا تعرف عن يوسف دابو هل لم يزل حيا؟، ماذا بشأن الشاعر الصومالي علي جعلوا، والنيجيري ذي النون عبدي وفايز احميد من تمبكتو، وماذا عن شاعر افريقيا العظيم السنغالي يولوبيد سنغور؟ وهل ثمة بينكم اتصال في تلك القارة السوداء؟ ابتسم آدم عن أسنانه العاجية وقال لي تستطيع أن تحسبني على شعراء الجزيرة العربية لا على القارة الافريقية، وذلك لأنني عشت طفولتي في المملكة ودرست في مدارسها وأكملت تعليمي العالي في الكويت، وما أولئك الشعراء الذين ذكرتهم إلا أسماء، أنا معجب بها فقط وليس لي معرفة أو علاقة بها، ولكنني ملم بالأدب الافريقي أو الادب الأسود كما أسميته، ومنذ ذلك اليوم أصبحت أحب الشاعر آدم وأسأل عنه كلما جاءني صديق من الكويت. وذات يوم قال لي الصديق سعود العنزي: سيتصل بك الأستاذ آدم للتفاهم معك فيما يخص النشر في جريدتنا «الجريدة»، وكان آدم الشاعر (زاته) كما يقول الإخوة السودانيون، ففرحت كثيرا لأنني أيقنت أن هذا الشاعر بالفعل يحسب على شعر الجزيرة العربية؛ لأنه لم يزل يخدم ذلك الشعر ثقافيا وإعلاميا، بالاضافة الى ما يقدمه من إبداع.
*** وفي إحدى زياراتي السريعة إلى الكويت، كنت اجلس والصديق الشاعر والباحث إبراهيم الخالدي في أحد المقاهي الشعبية فلمحت آدم مقبلا بدون موعد، لنجدد اللقاء بالعناق - وللحديث بقية.
توابل - مزاج
الشاعر آدم
27-07-2008