إن لم تزد شيئاً على الدنيا كنت زائداً عليها!

نشر في 02-09-2008
آخر تحديث 02-09-2008 | 00:00
 د. ساجد العبدلي مرور الأيام سريعة على الإنسان، وانقضاء عمره معها شيئا فشيئا، لا بد أن تجعله يسأل نفسه عما قدم في هذه الدنيا، وعن قيمته على الميزان يوم تحين ساعة رحيله.

في كل عام يأتي فيه رمضان، يباغتني ذات الشعور الغريب... أشعر وكأن شهر الصوم الذي مضى لم يكن إلا بالأمس، وأنه قد جاء هذه المرة أسرع من المفترض. أستعيد ذكريات رمضان الفائت فأكاد أجد مذاقاتها في فمي، والتماعة مشاهدها في أعماق عيني، وأصداء أصواتها في أذني، عذبة، وضاءة، جلية. وفي كل مرة يقودني هذا إلى الغوص في التفكر في كيف تمر الأيام والأشهر والسنوات على الإنسان دون أن يشعر بها حق الشعور، فإذا استفاق وانتبه إذا به وقد انقضت رحلته في هذه الدنيا، وصار واقفا على بوابة المغادرة.

هذه الحقيقة الصارخة، التي لا مجال للأخذ والرد فيها، تأتيني دائما ملحوقة بالتفكير في رسالة الإنسان في هذه الدنيا، وفي ما يقدمه فيها.

يقول أهل علم الاجتماع إن الإنسان ما هو إلا علاقات، وهو كذلك بالفعل. شخصية الإنسان وقيمته في هذه الدنيا تشكلها علاقاته بالعالم من حوله، ومدى نجاحه فيها. تصنعها قبل كل شيء وبالطبع، طبيعة علاقته بربه، سواء أكان مسلما أم غير ذلك، وبعد ذلك علاقته بالناس من حوله على اختلاف درجاتهم، سواء بصورتهم الفردية أو الجماعية، بالأحجام والأشكال المختلفة، وبعد ذلك علاقته بالحياة بصورتها العامة. والعلاقة التي أعنيها هنا هي العلاقة الثنائية، أي علاقة العطاء والأخذ.

علاقة الإنسان بربه، بخالقه، بمن يعزو إليه القوة الأعظم والقدرة الأكمل والأكبر، ومدى استقراره نفسيا واطمئنانه في هذا الجانب تنزل عليه سكينة يجد انعكاسها في كل خلجات نفسه، وفي كل حركات جوارحه.

مهما كبرت قوة الإنسان، ومهما تعاظمت قدرته، فإنه يظل يرى تلك النقطة التي لا تبلغها إمكاناته البشرية، وتنحسر عنها، وهناك سيستشعر حتمية وجود الخالق الأعظم والقوة اللا متناهية التي يحتاج أن يكل إليها نفسه ليشعر بالأمان.

يتشكل الإنسان كذلك بعلاقته بالناس من حوله، بأسرته، بأهله، بمجتمعه. بمقدار عطائه نحوهم وبمقدار أخذه منهم. والعطاء والأخذ المقصود في هذا السياق ليس مقصورا على الماديات فحسب، إنما حتى ذلك العطاء بصورته الشعورية والعاطفية والمعنوية.

العلاقة الثالثة هي علاقة الإنسان بالحياة من حوله، وقد لا يكون المراد من هذه واضحا للبعض، ولتوضيحه سأضرب مثالا بأولئك البشر الذين قدموا للحياة إنجازات باهرة، كالمخترعين أو المكتشفين أو الأدباء الكبار وغيرهم ممن هم على شاكلتهم. هؤلاء قدموا إنجازات لم تتوقف عند حدود جغرافية أو فئة بشرية بعينها، إنما وصلت إلى كل نواحي الأرض، وبقيت خالدة يستفيد منها الناس على مر الأزمان والعصور. وما يجب أن نتذكره دائما هنا هو أن هؤلاء العظماء كانوا بالنهاية بشرا مثلنا، يأكلون وينامون ويسيرون بين الناس.

مرور الأيام سريعة على الإنسان، وانقضاء عمره معها شيئا فشيئا، لا بد أن تجعله يسأل نفسه عما قدم في هذه الدنيا، وعن قيمته على الميزان يوم تحين ساعة رحيله، وقد قال القائل: إن لم تزد شيئا على الدنيا كنت زائدا عليها.

أسأل الله ألا نكون من الزائدين على الدنيا، وأن نكون ممن يزيدون فيها خيرا، وكل عامٍ وأنتم في سعادة وخير، وأسأل الله أن يجعل هذا الشهر شهر بركةٍ للجميع... وعساكم من عواده!

back to top