الشباب والتفكير بالهجرة
الشعور بالإحباط لدى الشباب مبرر، فصعوبة تأمين السكن تشكل هاجساً يدخل في حسابات معظم قرارات الشباب الحياتية كالعمل والزواج والإنجاب والصرف والادخار والاستثمار. لم يعد خافياً الشعور المتنامي بين الأوساط الشبابية بالإحباط والكبت والتذمر من الأوضاع العامة وتأثيرها في حياتهم، وهو شعور مصحوب بتداول فكرة الهجرة بجدية غير مسبوقة، هذا بالإضافة إلى حقيقة أن فكرة العمل والاستقرار لمدة طويلة خارج الكويت أصبحت أكثر قبولاً، ففي السابق كان وجود مواطن كويتي مستقر خارج الكويت مثيراً للاستغراب والفضول، أما الآن فهناك شباب يعملون في الخارج أكثر من أي زمن مضى.
والتساؤل الذي يتبادر إلى الذهن هو كيف يتداول الشباب فكرة الهجرة والبلد آمن وسوق العمل مستقر وخدمات التعليم والصحة مجانية ولا توجد ضريبة على الدخل وهناك سقف عال نسبياً للحرية؟ وهو تساؤل يحرض على التسرع في الحكم على الشباب بالترف وانعدام المسؤولية، ولكن من الخطأ اختزال أسباب الظاهرة بهذه السطحية، إذ تكفي النقاشات مع الشباب لمعرفة الأسباب ومنها ما يحمل كثيراً من المنطق والواقعية، ومن أبرزها الأزمة الإسكانية.إن الاقتصاد يقوم على ركيزتين: حقوق الملكية وسيادة القانون. ضمان حق الأفراد في التملك يشجع النمو الاقتصادي وكسب الرزق وخلق فرص العمل، وسيادة القانون تكفل حماية هذا الحق من سطوة السلطة والنفوذ. وللملكية أنواع أهمها ملكية السكن، فهي تمثل جوهر الشعور بالأمان الاقتصادي والاجتماعي والاستقرار النفسي لدى الفرد، فالسكن أصل ثابت واستثمار مضمون مهما تعاظمت المصائب، وليس أبلغ على ذلك من مثال سوى القول الدارج ذي المعنى العميق: «إذا حجت حجايجها، راس مالي هالبيت.»مع تضخم الأزمة الإسكانية في الكويت، ووقوف حوالي مئة ألف أسرة في طابور الانتظار للحصول على الرعاية السكنية لحوالي خمسة عشر عاما، اتجهت الأسر إلى سوق العقار لشراء السكن وتمويله بالاقتراض، ولكن مع التضخم الكبير في أسعار العقار وشح الأراضي، أصبح شراء السكن مستحيلاً حتى على الأسر ميسورة الحال. لذلك، بيننا الآن مئة ألف أسرة ليس باستطاعتها ترديد القول الدارج في الفقرة السابقة، وبذلك تفقد شعورها بالأمان والاستقرار. إذن الشعور بالإحباط لدى الشباب مبرر، فصعوبة تأمين السكن تشكل هاجساً يدخل في حسابات معظم قرارات الشباب الحياتية كالعمل والزواج والإنجاب والصرف والادخار والاستثمار، وإذا أضفنا الانتعاش الاقتصادي في الدول الجاذبة لشبابنا وتوافر فرص العمل المغرية فيها وتطور وسائل الاتصال وإمكان شراء العقار فيها كأصل ثابت واستثمار للمستقبل. وعلاوة على جوانب الإحباط الأخرى في الكويت، نجد أن تداول فكرة الهجرة والاستقرار في الخارج بات منطقياً، وأن استمرار إدارة الأزمة الإسكانية كما كانت تدار في العقود الثلاثة الماضية سيؤدي إلى تداول الفكرة على نطاق أوسع. هذا بالنسبة إلى صعوبة التملك. أما من حيث سيادة القانون فالتدهور واضح مع شيوع الفساد وعدم تكافؤ الفرص.Dessertألا يكفي الشباب الإحباط من الأزمة الإسكانية، حتى تأخذ «الظواهر السلبية» محلها في سلم أولويات أعضاء مجلس الأمة؟