من سيحكم العالم؟
إن انتخاب باراك أوباما يأتي في لحظة يتشكل فيها جزء من حكمة تقليدية. تتعلق هذه الحكمة بنهاية الهيمنة الأميركية على العالم.صحيح أن الرأسمالية الطليقة على الطريقة الأميركية كانت سبباً في العديد من المشاكل في الآونة الأخيرة. ولم يثبت التفوق العسكري الأميركي أي نجاح في تحقيق الغايات الأميركية. ولكن من قد يكون بوسعه أن يعوض هذا النقص في الزعامة العالمية؟
إن الإجابة غير المريحة التي من المرجح أن يواجهها أوباما هي: لا أحد. ربما لحق الضرر بأميركا، ولكن البديل غير متاح. إذ إن أوروبا مستغرقة في ذاتها، وتركز في المقام الأول على خلق ذلك الكيان الذي تريده لنفسها أياً كان. أما الرد المعتاد من جانب الصين كلما اقتُرِح عليها أن تمارس أي قدر من الزعامة العالمية، فهو يتلخص في تحججها بأجندتها الداخلية الضخمة وادعاء الفقر. وما من بلد آخر يقترب من امتلاك ما يلزم لهذا الأمر من القدرة أو الطموح.في مواجهة الكم الهائل من المشاكل العالمية المألوفة- ليس فقط عدم الاستقرار المالي، ولكن أيضاً قضية تغير المناخ، وأمن الطاقة، والأوبئة المحتملة، والإرهاب، وانتشار أسلحة الدمار الشامل- فإن سير العالم على غير هدى وبلا دفة أمر لا يبشر بأي خير. ما الذي ينبغي أن يحدث إذن؟ وعلى يد من؟إذا ما علمنا أن الولايات المتحدة لم تضطلع بدورها القيادي على النحو المطلوب فيما يتصل بالعديد من هذه القضايا أخيراً، فإن الأمر يستحق أن نلقي نظرة على ما قد يحدث حين لا تمارس دولة كالولايات المتحدة دورها القيادي الفعّال. قد تبدو مجموعة من الإجابات واضحة نتيجة لانهيار مفاوضات التجارة الدولية وتفكك النظام الدولي للسيطرة على انتشار الأسلحة النووية. ولا شك أن الأمور قد تبلغ حداً عظيماً من السوء. ولكن هذه ليست القصة كلها.ولكي نرى السبب فلنلق نظرة على قضية تغير المناخ. لقد بات من الواضح الآن أن تجنب كارثة تغير المناخ يتطلب الحد من الانبعاثات الغازية المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري بصورة جذرية وبسرعة، على أن تنخفض الانبعاثات السنوية بحلول عام 2050 إلى 80% دون المستويات التي كانت عليها في عام 1990. بيد أن معدلات انبعاث هذه الغازات لا ترتفع فحسب، بل إنها تتسارع أيضاً. وقد يسفر الركود الاقتصادي القادم عن توقف نمو هذه المعدلات بشكل مؤقت، ولكن بدرجة طفيفة. وتتطلب التخفيضات الضرورية تحولا سريعا وجذريا في أنماط استخدام الطاقة والأراضي والصناعة في أنحاء العالم المختلفة.ولكن ماذا يتعين على الحكومات أن تفعل حيال هذا؟ من المفترض أن تتفق حكومات العالم بحلول شهر ديسمبر 2009 على معاهدة جديدة تختص بوضع حدود للانبعاثات العازية. ولكن احتمالات النجاح في التوصل إلى اتفاق حقيقي في كوبنهاغن في ديسمبر 2009 تكاد تقترب من الصفر.لن يتاح لإدارة أوباما الجديدة سوى بضعة أشهر لوضع المقترحات المجدية القادرة على الفوز بالتأييد الداخلي، وسوف تكون الإدارة مشغولة بالتعامل مع العواقب المترتبة على الأزمة المالية الحالية والحرب في العراق. وتسعى أوروبا إلى تحقيق أهداف طموحة إلا أنها تواجه صعوبات واضحة في تحقيق مصالحها الخاصة. أما الدول الناشئة الضخمة، فرغم أنها سوف تعاني، على نحو غير متكافئ، الطقس الأكثر جموحاً وارتفاع مستويات سطح البحر، فإنها تبدي قدراً ضئيلاً من الاهتمام بسد الفراغ. ولقد أطلق مراقبو المفاوضات على رقصة تبادل الاتهامات بين الولايات المتحدة والصين «حلف الانتحار». باختصار، نستطيع أن نصف العملية برمتها بأنها «فوضى كاملة». ولا ينبغي لهذا أن يدهشنا. إن نظام التنسيق ما بين الحكومات الذي ينهار تحت ضغوط التحديات المتمثلة في مفاوضات التجارة والتهديدات المرتبطة بانتشار الأسلحة النووية، ليس من المرجح أن يتمكن من التعامل مع التعقيدات العميقة والمصالح الخاصة التي تنطوي عليها قضية تغير المناخ. ومن المنتظر من الدبلوماسية التقليدية أن تتوصل على الأكثر إلى اتفاق لحفظ ماء الوجه في العام المقبل.في العديد من المناطق، أدى الإحباط إزاء تعنت وعجز المؤسسات ما بين الحكومات إلى تحريض قدر غير عادي من الإبداع من جانب المنظمات غير الحكومية، والشركات، والناس العاديين. وتعمل بعض المنظمات الخاصة مثل مجلس رعاية الغابات ومجلس الإشراف البحري على توفير وتنفيذ المعايير البيئية حيثما تفشل التحركات الحكومية. وتسعى الكيانات الخاصة من المؤسسات، إلى شركات الأدوية، إلى المنظمات الحكومية بكل نشاط إلى تجربة السبل البديلة لمعالجة التحديات الصحية العابرة للحدود الوطنية. وكثيراً ما تشارك الحكومات كجزء من هذه التجارب- إلا أنها لا تتولى قيادتها بالضرورة، ولا يتوقف إحراز التقدم على التوقيع على المعاهدات.في الواقع، هناك العديد من السبل التي نستطيع بها أن نضع مثل هذه الأمور على جدول الأعمال العالمي، كما أظهرت حملات الفنان العالمي بونو فيما يتصل بالتنمية في إفريقيا، وحملات آل غور فيما يتصل بقضية تغير المناخ. إن الاتفاقيات بشأن الكيفية التي نستطيع بها العمل على تحسين الأمور كثيراً ما تضم منظمات غير حكومية ومؤسسات من الفئات المختلفة- وقد تُستبعد الحكومات تماماً في بعض الأحيان. إن الجماعات الخاصة التي تستخدم كل شيء، من التصوير بالأقمار الصناعية (كما هي الحال في التعامل مع الغابات) إلى المقابل غير الرسمي لعمليات التفتيش في مواقع الأحداث (كما هي الحال في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان)، لمراقبة من يلتزم بالقواعد السلوكية- ومن ينتهكها.وفيما يظل فرض القواعد ضمن نطاق هيمنة الدول، غير أن فرض هذه القواعد قسرياً نادراً ما يحدث حتى حين يتصل الأمر بالاتفاقيات بين الحكومية. أما التزام الدول بالاتفاقيات فإنه يرتبط على نحو أوثق بعملية الإقناع الدولي، والتنشئة الاجتماعية، وبناء القدرات- وهي المهمة التي تستطيع أي جهة تتمتع بقدر من الحجج المقنعة أن تقوم بها.والسؤال الرئيسي اليوم هو ما إذا كانت هذه التوجهات البديلة كلها قادرة على إضافة ما يزيد قليلاً على الأعمال الهامشية غير المتقنة. إن التفكير على مستوى العلاقات الدولية المعتادة لا يرقى حتى إلى الإجابة عن هذا التساؤل، والحقيقة أن هذه الطرق التقليدية في النظر إلى العالم أعمتنا عن البحث والتمحيص في هذه المسألة الحاسمة.ونتيجة لهذا فإننا لم نتوصل إلى الإجابة حتى الآن. فمازالت البيانات المتاحة نادرة، وهناك المئات من الشراكات العالمية بين القطاعين العام والخاص، التي تتعامل مع مشاكل عالمية متنوعة- ولكن القليل منها أخضِع للفحص للتعرف على مدى كفاءتها. إن هذا الخليط من المبادرات، والجهات الفاعلة، والحملات، والنداءات يخلق الفرص لإحراز تقدم حقيقي- وارتباك جماعي في الوقت نفسه.إن كنا راغبين في إحراز تقدم حقيقي نحو حكم عالمي أكثر فعالية وكفاءة على النحو الذي يسمح لنا بالتعامل مع التحديات غير المسبوقة التي يفرضها علينا تغير المناخ، وغير ذلك من التحديات المطروحة على الأجندة العالمية، فيتعين علينا أن نبذل من الجهد ما يتجاوز مجرد البحث عن بديل سهل للهيمنة الأميركية. ويتعين علينا أن نفكر في الكيفية التي نستطيع بها أن نتبين الصالح من الطالح بين كل هذه البدائل المتنوعة والسبل المطروحة لإنقاذ العالم.* آن فلوريني ، مديرة مركز آسيا والعولمة التابع لكلية لي خان يو للتخطيط العام والسياسات، وكبيرة زملاء مؤسسة «بروكينغز».«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»