رأييِّ الخاص أن الشجاعة السياسية تكمن في مواجهة هذا الاستجواب، الذي قد لا يكون الأخير من نوعه، وتفنيد محاوره التي لا تخلو من ضعف وهشاشة في مقابل التأييد السياسي الواسع الذي يحظى به الشيخ ناصر المحمد اليوم وبأغلبية كبيرة لم يحصل عليها أي عضو في مجلس الأمة في الانتخابات الأخيرة.إذا كانت الديمقراطية شكلاً من أشكال الحكم السياسي ونظاماً للحياة المدنية، فهذا يعني أن يحمل الفكر الديمقراطي وممارساته عوامل النضج والتطور من الداخل، وأثبتت التجارب التاريخية وأدبيات السياسة المقارنة بين الأمم أن الديمقراطيات هي النماذج الوحيدة القادرة على التطور والبقاء من خلال مواجهة تحدياتها والتصدي للأزمات التي تعصف بها.
والديمقراطية عبارة عن جملة من فنون العمل السياسي والتعاطي مع معادلات القوة لضمان أغلبية النجاح في إطار قواعد اللعبة والمرجعية المشروعة التي تتمثل عادة في الدساتير، والقدر المحتوم في العمل الديمقراطي أن نتائجه تحمل وبنسبة متساوية حلاوة الفوز من جانب ومرارة الخسارة من جانب آخر، ودائماً يكون النجاح في ذلك للديمقراطية نفسها.
ولعل الأحداث السياسية الأخيرة وعلى خلفية الاستجواب الموجه لسمو رئيس مجلس الوزراء تكشف حجم الخلل في التعاطي مع الديمقراطية كمبدأ وواقع، وهذا نتاج القصور التراكمي في الاستفادة من التغييرات والتطورات الكبيرة التي مرت بها الكويت كدولة مؤسسات والفشل في احتوائها والارتقاء بمستوى العمل السياسي من خلالها، ومن أمثلة ذلك توسع دائرة المشاركة الشعبية وظهور التيارات السياسية المتباينة في رؤاها بما فيها المتطرفة والمتعصبة والصراع الفكري بين الأجيال وتقنين الطائفية والقبلية واحتدام المنافسة بين أجنحة أسرة الحكم، مع وجود امتداد مباشر لمثل هذا التنوع في مجلس الأمة!
ومن الملفت أن أزمة الاستجواب الأخير قد عكست حراكاً سياسياً على مستويات مختلفة بما في ذلك التيارات السالفة الذكر إضافة إلى الكثير من وسائل الإعلام والصحافة ومؤسسات المجتمع المدني باستثناء الحكومة التي ظلت صامتة بلا حول ولا قوة رغم كونها الطرف المعني مباشرة بهذه الأزمة، وقد يعتبر ذلك دليل نضج أكبر لدى تلك الفعاليات المختلفة للتفكير نيابة عن الحكومة وإيجاد المخارج لها رغم كونها السلطة المهيمنة على السياسة العامة للدولة!
وإذا كشفت أزمة الاستجواب عن الكثير من الآراء والمواقف سواءً كانت تعبر عن قناعات أصحابها الحقيقية أو كونها مجرد مجاملات سياسية أو الخوف من المجهول أو وضع أولوية المصالح الخاصة والضيقة بعين الاعتبار، فإن معظم هذه الأطروحات قد لا يساهم في تعزيز الديمقراطية ونضجها واستمرارها، وخصوصا تلك الدعوات الرامية إلى حل مجلس الأمة بشكل غير شرعي وتعطيل الحياة الدستورية والاستهزاء بالمؤسسات الدستورية والديمقراطية الكويتية، أو من خلال الدعوة إلى الالتفاف على الاستجواب عبر بوابة المجاملات السياسية قد تكون كلفتها السياسية أعلى، وقد توقع سمو رئيس مجلس الوزراء في حرج تاريخي كبير وبشكل يثير الشفقة مثل الدعوة إلى تأجيل الاستجواب لمدة سنة!
فالدعوة إلى تأجيل الاستجواب ولو لسنة كاملة تعني ببساطة اعترافاً واضحاً بشرعيته وقانونيته بل إرغام سمو الرئيس على اعتلاء المنصة في اليوم الموعود، وتعريض الرجل إلى الكثير من التجريح السياسي طوال هذه المدة ليكون هو المتضرر الوحيد في هذه الأزمة، وتدل تجاربنا الكويتية بأن الكثير من الناس بمن فيهم النواب سرعان ما يتخلون عن أصحابهم ويسعون إلى الارتماء في أحضان الطرف الأقوى!
ولهذا، فإن من الضروري أن تفكر الحكومة بنفسها وأن تطلق مبادراتها التي كفل لها الدستور قنواتها المشروعة دون الحاجة إلى اجتهادات ومجاملات الغير، وإن كان رأييِّ الخاص أن الشجاعة السياسية تكمن في مواجهة هذا الاستجواب، الذي قد لا يكون الأخير من نوعه، وتفنيد محاوره التي لا تخلو من ضعف وهشاشة في مقابل التأييد السياسي الواسع الذي يحظى به الشيخ ناصر المحمد اليوم وبأغلبية كبيرة لم يحصل عليها أي عضو في مجلس الأمة في الانتخابات الأخيرة حيث لم يكد يحصل بعض النواب القلائل على أكثر من 25 % من أصوات الناخبين، ومثل هذا الخيار هو التجسيد الحقيقي للديمقراطية بدلاً من التصادم مع الدستور أو محاولة وأده حياً!