وزراء ولكن!
خص الدستور الكويتي في مادته 123 مجلس الوزراء دون غيره من السلطات الهيمنة الكاملة والمباشرة على مصالح الدولة بل وأوكل له رسم سياستها العامة ومباشرة تنفيذها والإشراف عليها، وإذا عرفنا تفاصيل كل بند من بنود هذه الصلاحيات الدستورية وأهميتها وحجمها ندرك مقدار المسؤولية وعظم الأمانة التي عهد بها إلى كل وزير في السلطة التنفيذية. وأمام هذا النص الدستوري وفي خضم أخطر وأهم حدث سياسي في تاريخ الكويت على الإطلاق وأمام أحد أصعب الاختبارات في العلاقة بين السلطتين بل وفي اليوم الموعود لمناقشة مصير أول استجواب يوجه لرئيس الحكومة وفي جلسة علنية ومنقولة عبر وسائل الإعلام وتحديداً أثناء تلاوة البند الخاص بالاستجواب، يغادر الوزراء جميعهم قاعة البرلمان وبشكل مرتبك ومثير للشفقة دون أن يعلموا حتى سبب خروجهم؟!
ومثل هذه الحادثة تؤكد الانطباع السائد بأن الكثير من الوزراء قد تحولوا إلى مجرد موظفين «هاي كلاس»، وبقدر ما يتمتعون به من سطوة الهيبة والجبروت داخل أسوار وزاراتهم، خصوصا على من هم دونهم في المرتبة الوظيفية بقدر ما هم مغيبون عن أمهات القرارات العليا على مستوى الدولة، ومن المستبعد جداً أن يشارك معظم الوزراء في المناقشات المصيرية والرؤى الكلية في الشؤون العامة إما لعدم تمتعه بالجرأة على الإقدام على ذلك أو بسبب إمكاناته المتواضعة وخبراته السطحية في الفلسفة السياسية ومفاهيم الدولة وإدارة شؤونها العليا! ويعود هذا المستوى الضعيف للأداء الحكومي بشكل عام إلى جملة من الأسباب الرئيسية منها آلية تشكيل الحكومات القائمة تقليدياً على أسس المحاصصة والترضيات المختلفة دونما النظر إلى المؤهلات الذاتية للمرشحين للمنصب الوزاري والتركيز على كيفية احتواء بعض المجاميع والكتل البرلمانية أو تحييدها، ومنها افتقار الكثير من الوزراء للخبرات السياسية التي تتطلب أن يكون الوزير قد تدرج في الحياة السياسية واكتسب ثقافة عامة بلورت لديه مفاهيم الدولة وإدارة شؤونها والخطط والبرامج الكفيلة بإنجاحها، الأمر الذي ساهم تدريجياً في اضمحلال «النخبة السياسية»، ومن بين تلك الأسباب أيضاً ترسخ عقدة الخوف أو التردد أو الخجل من إبداء الرأي الصريح والواضح في مداولات ومناقشات مجلس الوزراء المهمة والحساسة، هذا إن تم تداول مثل هذه المواضيع بالفعل، ناهيك عن عدم الجرأة على المبادرة في طرحها على بساط البحث ابتداءً!وتلك بالطبع بعض الأسباب الموضوعية التي تساهم فعلياً في تراجع مستوى الأداء والمضمون المؤسسيتين كعمل وزراي، فكيف إذا أضفنا إلى ذلك انغماس الوزراء وبشكل شبه كلي في العمل المكتبي والإداري والروتين اليومي وفي بحر من الفوضى البيروقراطية والفساد المتراكم بكل أشكاله وألوانه من جهة ووقوعهم تحت مؤثرات وهواجس المطالب النيابية وتهديداتها من جهة أخرى، بل لنتصور أكثر أنه مع كل هذه المعطيات، فإن الحكومة برمتها لا تتمتع بأغلبية برلمانية تحمي ظهرها وتوفر لها أجواء الاستقرار والبقاء واهتزاز جميع أعضائها مع أي اختبار حقيقي في مجلس الأمة، خصوصا عند تفعيل أدوات المساءلة السياسية!وبما أن الحكومة قد تقدمت باستقالتها إلى صاحب السمو الأمير الذي ارتأى التريث في البت فيها في الوقت الحالي، وأمام الأزمة الخانقة التي تنجح الحكومة في إدارتها مع الثقل النيابي الكبير الذي قدم لها الدعم والمساندة نأمل أن يعيد سمو رئيس مجلس الوزراء النظر ملياً في التشكيلة الوزارية الحالية وعلى ضوء النماذج الحكومية الأربعة السابقة وأن يجري تعديلاً جذرياً ليس فقط على شخوص الوزراء ولكن على فلسفة تشكيل حكومة جديدة دستورية المضمون والمعايير، يكون أعضاؤها رجالات دولة وصناع قرار، يتمتعون بقبول شعبي ونيابي يوفرون له أداءً مستقراً، ونأمل أن تكون التنمية في ظلها محور ارتكاز ولكن في المرتبة الثانية بعد عملية تطهير شاملة لأنواع وألوان وبؤر الفساد، وإعادة شعار الإصلاح الذي ارتبط باسم سموه ولكن سرعان ما تراجع أمام ضغط المتنفذين والمحرضين على الدستور والديمقراطية وعليه شخصياً!