أمضيت الأسابيع الثلاثة الماضية في جناح للأمراض المستعصية في مستشفى بأفقر مناطق واشنطن عاصمة الولايات المتحدة الأميركية، مرافقةً صديقتي وأختي في أكبر تحديات حياتها. وأجمل ما لاحظت منذ اليوم الأول هو ابتسامة الناس داخل المستشفى وخارجه، وحرصهم على السلام على كل مَن يقابلهم في طريقهم، وسؤالهم عن يومهم، يعرفونهم أو لا. الشوارع المحيطة بالمستشفى تعج بالبيوت الصغيرة للسود الفقراء، الذين يتجمعون كل مساء في باحة منزل أحدهم للغناء والمرح والاستمتاع بصحبة بعضهم بعضا. وفي النهار تجدهم يقبلون على أبسط الأعمال بروح طيبة واستعداد طبيعي للخدمة والمساعدة.
أما داخل المستشفى فقد رأيت أن «الفرنجة»، الذين نتهمهم بالتفسخ والانحلال، أكثر تواصلاً وتعاطفاً من الكثيرين الذين رأيتهم في مستشفيات الكويت. فكم شخصاً منا أمضى وقتاً في مستشفى في الكويت وحظى بزيارة من الغرفة المقابلة أو هدية غير متوقعة من المريض المجاور؟ هناك وفي وقت قياسي تعرفنا على كل مَن في الجناح وبمبادرة منهم. فرغم معاناتهم ومسؤولياتهم تجاه مرضاهم حرص أهالي المرضى المجاورين لنا على زيارتنا، وعرضوا مساعدتهم، وأغرقونا بصلواتهم ودعواتهم على اختلاف أديانهم ومعتقداتهم. هذه الطاقة الايجابية في أصعب المواقف، وفي أفقر المناطق ذكرتني بالقاهرة وبالشعب المصري، الذي يحتفظ بروح الدعابة وحب «اللمة» والمساعدة والتواصل رغم أنف الفقر والتلوث والظلم... كيف يجد السود القوة للابتسام والمرح رغم فقرهم ومعاناتهم التاريخية، في حين أننا ككويتيين ورغم الرخاء النسبي نستصعب الابتسامة، ونضن على أنفسنا بالمرح ونحرمها الضحك؟! تذكرت رسماً كاريكاتيرياً قديماً يبدأ بسؤال: «كيف تعرف الأجنبي في الأردن؟» فتجد أن الأجنبي هو الوحيد المبتسم بين جموع من الآخرين المكتئبين والمكفهرين. فها هي الأردن وسورية ولبنان تتشارك في الجغرافيا والمناخ، وإلى حدٍّ ما، في التاريخ والحضارة، ولكن يبقى اللبنانيون رغم سنوات الحرب والتناحر الطائفي هم الأكثر مرحاً، والأشد تعلقاً بالحياة. فالاستعداد العام للسعادة والتفاؤل غير مرتبط بجغرافيا ولا مناخ ولا حتى اقتصاد. فما هو العامل الأساسي إذن؟ ما الذي يربط سود أميركا بالمصريين أو اللبنانيين؟ أو ما هو الشيء الذي نفتقده، ككويتيين أو أردنيين أو من هم مثلنا من الشعوب التي تعاني الاكتئاب المزمن؟ برأييّ المتواضع أن الفرق يتجسد في إيجاد متنفس إيجابي وفعّال للمشاعر السلبية عن طريق الفن بشكل عام، وبالشعر والموسيقى والرقص على وجه التحديد. فالشعوب التي تُقدِّر الفن وتتلذذ به تجد فيه منفذاً لكل إحباطاتها ومعاناتها النفسية والاجتماعية والاقتصادية، فلا تتراكم وتتحول إلى طابع عام. كما أن الفنون وسيلة فعالة لتحويل وتغيير المشاعر والطاقات السلبية إلى طاقات إيجابية، ومشاعر ودية ونظرة تفاؤلية؛ فهل يُصلح الفن ما أفسده الدهر؟
مقالات
ابتسم... فتبسُّمك صدقة
25-07-2008