الإصلاح السياسي وغياب المبادرات
في ظل ضبابية المشهد السياسي وغياب المبادرات الوطنية لإصلاح نظامنا الديمقراطي، فإن أعداء نظام الحكم الديمقراطي يقومون بعملية خلط متعمد بين الديمقراطية وممارسات أعضاء مجلس الأمة. فما أن يبدر أي تصرف خاطئ من أحد أعضاء مجلس الأمة (وهو ما يحصل يوميا في برلمانات العالم كافة)، حتى نراهم يتهمون الديمقراطية كنظام للحكم بأنها هي السبب ويدَّعون زورا بأنها لا تصلح للكويت. وقد لعبت وسائل إعلامهم العديدة، ولاتزال، دورا سيئا في نشر هذا المفهوم الخاطئ للديمقراطية للدرجة التي أوصلت بعض الناس البسطاء حسني النية لتبني هذا الطرح. لهذا فإننا نجد بعض المواطنين لا يمانع الانقلاب على نظام الحكم الديمقراطي الذي يشكل مجلس الأمة أحد أشكاله، لأنهم ببساطة لا يميزون بين الديمقراطية كنظام حكم متكامل والعمل البرلماني وما يعتريه من مشاكل، لهذا فهم يعتقدون خطأً أن الديمقراطية تنحصر فقط فيما يرونه من تصرفات وما يسمعونه من تصريحات لأعضاء المجلس.
على أنه من المهم أن نتذكر هنا أن القوى المعادية للديمقراطية هي التي لعبت الدور الرئيسي فيما وصل إليه أداء مجلس الأمة من سوء، بدءا من تحالفها منذ النصف الثاني من السبعينيات مع القوى السياسية الدينية المعادية فكريا للديمقراطية والتي أضحت، «بقدرة قادر»، تلعب الآن دوراً مؤثراً في البرلمان... ثم تخريبها بعد ذلك للنظام الانتخابي الذي أدى إلى المزيد من الاستقطابات الطائفية والقبلية والفئوية والمناطقية، وساهم في عدم تطور وتجذر الفكر الديمقراطي في المجتمع وكرَّس انحراف الممارسة السياسية مما سهل من عملية تشويه فكرة الديمقراطية. والآن تأتي هذه القوى المعادية للنظام الديمقراطي والتي عملت على تخريب الممارسة السياسية لتتهم مجلس الأمة بأنه سبب الأزمات السياسية كلها، ثم تربط عنوة بين بعض الممارسات الخاطئة في مجلس الأمة والديمقراطية لإيهام الناس بأن الديمقراطية لا تصلح للكويت! وبنظرة موضوعية يتضح لنا زيف هذه الادعاءات المشبوهة التي تدعو إلى الانفراد بعملية اتخاذ القرار، لأن الديمقراطية هي نظام حكم متكامل يكون فيه الشعب هو مصدر السلطات جميعا. وهذا يشمل المشاركة السياسية في اتخاذ القرار، والفصل بين السلطات، والحريات الشخصية والعامة، والمساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين كافة، وحفظ وصيانة حقوق الأقلية، والعدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، وحماية كرامة الإنسان الشخصية وحقه في العيش الكريم. علاوة على أن الديمقراطية هي منهج حياة وقيم اجتماعية راسخة تحترم الإنسان كانسان بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى، وما مجلس الأمة أو البرلمان إلا إحدى المؤسسات الدستورية الديمقراطية التي تمثل الشكل الرئيسي للمشاركة الشعبية في عملية اتخاذ القرار السياسي حيث يمثل الشعب هنا السلطة الرقابية والتشريعية.بالطبع لا تخلو الديمقراطية من بعض المشكلات الناتجة عن عملية التنازع على السلطة، ولكنها كفيلة بحل مشاكلها من خلال التطوير المستمر لآلياتها وأدواتها وأساليبها. ويكفي أن نستعرض تجارب دول العالم الديمقراطي لكي نرى أن أنظمة الحكم الديمقراطي لا تعرف الجمود، بل إنها في حالة حراك وتجديد ديمقراطي دائمين يعملان على تطوير وتحديث الآليات والأساليب الديمقراطية لتتماشى مع المتغيرات المجتمعية السريعة، وهذا ما يميزها عن الأنظمة الدكتاتورية الجامدة التي تتهاوى بشكل سريع دفعة واحدة.لهذا فإننا ندعو دائما إلى إصلاح نظامنا الديمقراطي الذي وضع أسسه دستور 1962 وتطوير آلياته وأساليبه من أجل تهيئة البيئة السياسية والاجتماعية المناسبة للتطور الديمقراطي. فنحن في أمس الحاجة، كما طرحنا مرارا، إلى التوقف مرة أخرى أمام نظامنا الانتخابي ودراسته دراسة علمية مستفيضة لكي نتوصل إلى نظام انتخابي يضمن لنا عملية اندماج مكونات المجتمع الكويتي وتحويل الصراع المجتمعي إلى صراع سياسي وطني صحي هادف بدلا مما يجرى حاليا من تناحر قبلي وطائفي وفئوي ومناطقي. كما أننا بحاجة أيضا إلى تنظيم العمل السياسي ليتوافق مع النظام الدستوري الديمقراطي، وليخرج لنا أجيالا تعرف ماهية العمل السياسي الدستوري الديمقراطي وكيفية ممارسته الممارسة الصحيحة. والمطلوب الآن هو مبادرات سريعة من قبل النظام السياسي أو القوى السياسية الوطنية الديمقراطية تحمل مشروعا وطنيا لإصلاح نظامنا الديمقراطي الذي وضع أسسه دستور 1962 حتى لا يصبح هدفا سهلا للقوى المعادية للديمقراطية تستطيع النيل منه إما بتفريغه من محتواه وإما بالانقلاب عليه إن عاجلاً أم آجلاً.