الرقص والجميل والمقدس (1)

نشر في 05-12-2008
آخر تحديث 05-12-2008 | 00:00
 إيمان علي البداح في الظلام وبين الغيوم نجوم وأقمار تعطينا أملاً بيوم أكثر إشراقا وتبعث في النفس الدفء والتفاؤل. ففي الوقت الذي تعم فيه الفوضى والضياع والتخلف والفساد لابد من التركيز على هذه النجوم لتلهمنا الطاقة للاستمرار في الحياة والعمل لغد أفضل.

من النجوم التي أخجل لاكتشافها متأخرا كوكبة من أدباء وكتاب الكويت الشباب الذين تميزوا بالموهبة والثقافة والحس الرفيع. منهم على سبيل المثال لا الحصر الأديب القاص يوسف خليفة والأديبة الروائية ميس العثمان والباحث الكاتب عقيل العيدان، والفيلسوف القديم الجديد حسن رمضان وغيرهم الكثير من «المبدعين».

آخر انتاجات ميس العثمان رواية «عقيدة رقص» والتي تمزج بأسلوب مبتكر بين العاطفي والسياسي. فالرواية- دون إفساد تفاصيلها على القارئ- تحكي قصة فتاة عراقية تهرب من طغيان صدام لتدخل الكويت بشكل غير مشروع، فيلحقها صدام بغزو الكويت ليعيد تشتيت ما تبقى من أحلامها أو ليعطيها بداية جديدة في مكان ما!

قراءة الرواية أشبه برحلة وعرة، فتارة ما تحلق بك الكاتبة إلى السماء عشقا وطربا لتعود وتهبط بك إلى أكحل أشكال المعاناة الإنسانية الصادقة. الأسلوب أقرب للشعر منه للنثر ويمتاز بملكة نادرة في اللغة العربية ومفرداتها لم نعد نراها في جيل الكتاب الجدد. كما يتضح من الكتابة البحث الدقيق الذي قامت به الكاتبة للعراق بتراثها ولهجاتها وأحيائها حتى كأنك ترى تلك الأحياء أمامك وأنت تقرأ لدقة الوصف وجماله.

الرواية تصوير واقعي للعالم العربي ما قبل الغزو: الحلم القومي والدكتاتوريات العربية والنفاق الإسلامي، وتشبث الإنسان بغض النظر عن هويته بالأمل والحب والعشق لينجو بنفسه وينقذ أحلامه.

«الجميل والمقدس» مجهود مميز لعقيل العيدان حيث قام بتجميع وترجمة وبحث ثلاثة مقالات مختلفة للمستشرقة أنا ماري شيمل. المقالات الثلاثة تتطرق لقضايا مختلفة ونادرا ما درست في تاريخ الحضارة الإسلامية وهي: البساتين أو «الجنينات» الإسلامية، والحروف والتشبيه بها في الأدب العربي، وأخيرا حب وتدريب الجوارح على الصيد لدى المسلمين أو «البيزرة». واختيار الموضوعات الثلاثة يمثل عبقرية الباحث، فهي على اختلافها تستقطب شرائح مختلفة من القراء والباحثين. وهي جامعة- كما ذكر العيدان في مقدمة الكتاب- للكثير من العلوم مثل الطبيعة وعلم النبات والحيوان والهندسة والمناخ وحتى علم النفس والفلسفة. كما أن هذه الجوانب الثلاثة من الحضارة الإسلامية تجسيد لطبيعة الحضارات التفاعلية والمشترك في الثقافة الإنسانية. حيث يتضح في تلك المقالات تأثر الحضارة الإسلامية بالحضارات الأخرى وتأثيرها فيها في الوقت نفسه.

الأهم في نظري أن التطرق لهذه الموضوعات يعزز الجانب الإنساني والروحاني والفني في الحضارة الإنسانية، الجانب الذي قلّما تتطرق له مناهج التربية الإسلامية أو الكتب التي تزحم أرفف المكتبات الإسلامية. فالشعر والفلسفة الصوفية التي ينضح بها الكتاب تشع ضوءا على أجمل إنتاجات الثقافة الإسلامية التي هي بعيدة كل البعد عن «كآبة المنظر وسوء المنقلب» الذي يمثله متأسلمو هذا العصر والمنظور السلفي للحضارة الإسلامية.

أعجبني أخلاقيات البحث لدى الباحث والتزامه بآداب المهنة بتركيزه على أوجه القصور واللبس والتصرف الممكنة في الترجمة. وأعتقد أن هوامش الكتاب أعظم فائدة من المقالات المترجمة حيث يتضح عمق البحث الذي قام به العيدان وتعدد أوجهه. وقد كان من الممكن أن يزيد من قيمة البحث لو أضاف الباحث الأسماء العلمية للأزهار والطيور وربما رسوما توضيحية لتعم الفائدة.

هذان مثالان على شابين يذكراننا بأن الكويت بخير وأنه «لو خليت لخربت»... نتمنى لهما ولمواهب الكويت جميعها الازدهار والنمو رغم كل المعوقات.

back to top