إسماعيل / الملتقى
ملتقى الثلاثاء أو ملتقى إسماعيل هو إحدى العلامات البارزة في حياتنا الثقافية، ففي مساء كل ثلاثاء تلتقى كوكبة من أجيال مختلفة في مكتب إسماعيل فهد إسماعيل لنقاش كتاب جديد أو الاحتفاء بضيف زائر.
لم يطرح الملتقى نفسه بديلا لأحد وليس منافسا لأي جهة ثقافية أخرى، ولم يطرح برنامجه صراعا مع أحد أو دعما لأحد. كان برنامجا ثقافيا مرحبا بالاختلاف وفاردا ذراعيه لضم الشباب الذين وجدوا فيه فرصة لأصواتهم، بعيدا عن قلق المايكروفون وعدسة المصور. والذي لا يعرفه الكثيرون أن استمرار الملتقى كان بسبب إسماعيل نفسه، لأسباب أهمها أن الرجل الذي يقام الملتقى في مكتبه بعد رحلة من التنقلات لم يكن سوى أحد أفراد الملتقى، لم تكن لإسماعيل نزعة الهيمنة أو تجيير الملتقى لأغراضه الخاصة، وبقي في أغلب الحالات مستمعا يتكلم حين يأتي دوره في الحديث، وربما كان غالبا آخر المتحدثين. اليوم أسمع بفرح عن عودة الملتقى على أيدي مجموعة من الشباب، أغلبهم كانوا أعضاء في ملتقى الثلاثاء الذي توقف منذ فترة من الزمن، والفرح مصدره أن الحركة التي تبلورت في السنوات الأخيرة تستحق أن يعود الملتقى أقوى مما كان، ففي السنوات الأخيرة توجت مجموعة من الشباب الجدد أعمالها بالنشر وبرزت أسماء تستحق الاشادة والدراسة. وكما هب الحال دائما يتباين الجيل الجديد من الكتّاب عن نظرائهم باختلاف الثقافة والافادة من الانفتاح الفضائي والالكتروني على الآخر. اليوم لا تجد مطبوعة ليس لها موقع الكتروني، وبإمكان الجيل الجديد أن يثري نقاشات الملتقى بتجربته وأجواء تلك التجربة. الميزة التى أفدنا منها ذات يوم في الملتقى هي لقاء المثقف الضيف الذي يجد في الملتقى راحة بعيدا عن الجو الرسمي الثقيل عادة، في الملتقى كنا نخطف ضيوف المؤسسة الرسمية الى جلسات ثقافية حميمية، والأسماء التي زارت الملتقى كثيرة ولا مجال لحصرها، وكان اسم إسماعيل محفزا لهؤلاء أن يجتمعوا بأعضاء المجموعة ويستمعوا إليهم ويتعرفوا إلى كتاباتهم وهمومهم. الأسماء التي دعت الى عودة الملتقى أسماء جديرة بالثقة، وفيها خامات طيبة يمكنها اثراء الواقع الثقافي الكويتي من خلال عملها كمجموعة، بعيدا عن الوحدانية والانكفاء، والأهم هو وجود إسماعيل فهد إسماعيل على رأسها، إسماعيل الذي قدم للأدب الكويتي صورته النابضة وحمل بصمت هموم أركانه. إسماعيل خيمتنا التي كنا نتسابق على الانضواء تحتها، كنت أعطيته مجموعتي الأولى قبل عشرين سنة وكتب تعليقا عليها جعلني أثق بنشرها، وبعد ذلك كنت أعطيه أعمالي مطبوعة وأهرب وأنتظر تعليقه حين نلتقي صدفة، لقد كان يحتضنني كأب ويربت على كتفي فأفرح كطفل، وذات يوم أعطاني روايته «يحدث أمس» مخطوطة بقلمه وكأنه يطلب رأيا مني، أنا الذي أقف منتظرا نتيجة عملي منه، فلم أجرؤ أن أقول له شيئا. حين كنت -فيما بعد- أغضب من أحد أعماله الجديدة لم أسمع منه كلمة قاسية، كان يحب النقد كما يحب الكتابة ويتسع صدره للجميع، إسماعيل نجمة طريقنا ونحن شباب «نشخبط» على الورق ونظن أننا أتينا بما لم يأت ِبه الأوائل، ولم يغضب ولم ينهر ولم يجد في داخله الأستاذ صاحب القلم الأحمر، كان يمتص عنفوانا بخبرته، لم يجامل إسماعيل اسما كبيرا ولم يبخس حق شاب في بدايته، لا يفرحه شيء كما تفرحه مجموعة قصصية جميلة ورواية مجتهدة ويتحدث عنها كأنها له. كانت غربتي عنه تُعادل غربتي عن وطني، ولا أتصور أن أرى البلاد ولا أراه، ولا أريد أن أتصور.