الحكاية التي جاء بها الوكيل المساعد لقطاع مشاريع الكهرباء المهندس أحمد الجسار، عن ضغوط وتهديدات يمارسها خمسة نواب على وزارة الكهرباء إذا لم يتم اختيار شركاتهم لتنفيذ مشروع «محطة الصبية»، هي حكاية غريبة وعسيرة على الهضم حقا، وهي تثير مجموعة من التساؤلات في مختلف الاتجاهات!

Ad

أول التساؤلات هو عن مدى أحقية قيام الأخ المهندس الجسار من خلال منصبه الذي يفترض أنه منصب تنفيذي تخصصي بإطلاق تصريح سياسي مثل هذا؟ وإذا افترضنا أنه يمتلك هذا الحق، أي أنه مفوض من قبل رئيسه معالي الوزير المهندس محمد العليم، فهذا ينقلنا إلى التساؤل الثاني، لماذا لم يتم الكشف عن أسماء النواب الخمسة بشكل مباشر؟ وما الذي يخشاه الوزير والوكيل من كشف أسماء هؤلاء، إن كان هؤلاء النواب موجودين حقا، ويمارسون فعلا خاطئا؟! هل وراء الأكمة ما وراءها؟ أم أن الأمر، كما يثار في بعض المجالس، لا يعدو لعبة سياسية جديدة، تأتي للتشويش على قصة «المصفاة الرابعة»، وقصة الشراكة مع «داو كيميكال»؟!

الأمر الآن ليس مَن هم النواب الخمسة، فالإثارة الإعلامية قد نجحت في كهربة النواب وجعلهم يتقاطرون للمطالبة بكشف أسماء الخمسة، ليس من باب الرغبة في استجلاء الحقيقة، وإنما من باب دفع التهمة التي يخافون أن تلتصق بهم، مما يذكِّرنا بالمقولة الخالدة: كاد المريب أن يقول خذوني. وهذا التقاطر النيابي يذكرني بحكاية تأبين مغنية يوم استطاعت إحدى الجرائد أن تضع جميع النواب بلا استثناء على محك إما التنديد بالتأبين وبالمؤبنين وإما الوقوع في خانة الخيانة للوطن وللشعب الكويتي، فكان لها ما أرادت حيث انساقوا جميعا يدفعون عن أنفسهم التهمة!

كنت أقول إن الأمر ليس مَن هم النواب الخمسة، وإنما لماذا لا يمتلك وزير الكهرباء الشجاعة السياسية لأن يكشف هؤلاء النواب السيئين الذين يريدون ترسية المناقصات على شركاتهم؟ ولماذا لا يكشف، من دون إطلاق هذا الكرنفال الإعلامي وهذه الحفلة الصحفية، عمن يريدون اقتراف هذه الجريمة ويشرح لنا كيف يريدون فعل ذلك؟!

الأسلوب الذي اتبعه وكيل وزارة الكهرباء المهندس الجسار في إثارة القضية، ليس هو أسلوب المتخصصين الذين نسميهم التكنوقراط، إنما هو أسلوب محترفي الصراعات السياسية، مما يجعله أسلوبا مرفوضا جملة وتفصيلا، لأننا لسنا بحاجة إلى تأجيج صراعات جديدة، ولسنا بحاجة إلى التلويح والتهديد بكشف الأوراق، وإنما بحاجة إلى متخصصين يعملون بشكل علمي واضح وفق القواعد والأنظمة دون بلبلة سياسية فجة كما هو حاصل الآن. ولست هنا أوجه اللوم للوكيل الجسار لأنه في النهاية، مجرد موظف يأتمر بأوامر الوزير، وإنما كل اللوم يوجه إلى الوزير محمد العليم!

على المهندس العليم، هذا إن كان لقصة النواب الخمسة من أساس حقيقي، وقبل أن تصبح القصة دوامة صراع سياسي جديد ككل قصة سبقتها، أن يسارع إلى كشف أسماء المتورطين ويبين الكيفية التي تجاوزوا فيها النظم واللوائح، وإلا فإنه في حال آثر عدم الكشف عن أسمائهم سيكون متواطئا معهم، ومشاركا في جرمهم!