Ad

«نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً»... ففي الوقت الذي يجري فيه الحديث عن التطوير الإداري والتدريب، نرى أمامنا التردي مستمراً في أداء الجهاز الإداري للدولة. لذا يحق لنا أن نتساءل بعد مضي أكثر من عقدين من الزمن، تُرى أين هو التطوير الإداري الموعود؟ وما هي نتائج برنامج إعادة الهيكلة؟! وكم هي المبالغ التي صرفت من الأموال العامة على هذه الأجهزة؟

في بدايات بروز قوة التحالف الحكومي مع «الإخوان المسلمين» في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، بدأت ماكينة إعلامية ضخمة تروج أن الحل السحري لعلاج تخلف الإدارة الحكومية لدينا هو عملية التطوير الإداري الذي سيقوده شباب «الصحوة» أو القريبون منهم.

وكما هو معروف من الناحية النظرية، فإن الجهاز الإداري الحكومي يحتاج إلى عملية تطوير إداري مستمر، ولكن لنرَ ماذا حصل في الممارسة؟!

كانت البداية القيام بإنشاء قطاع إداري كامل في ديوان الموظفين (الخدمة المدنية حالياً) سُمي التطوير الإداري والتدريب، تولى الإشراف عليه بدرجة وكيل وزارة مساعد وقتذاك النائب الفاضل د. ناصر الصانع. وبدأ العمل «التطويري» من خلال تشكيل لجان متعددة تفرخ لجاناً فرعية تنشئ بدورها لجاناً أخرى مع تغطية إعلامية ضخمة، إذ لم تكد صحيفة يومية تخلو من خبر رئيسي يومي عن التطوير الإداري، يتضمن تصريحات إعلامية لمسؤولي القطاع توحي بأن التطوير الإداري الذي سينقل الجهاز الإداري الحكومي نقلة نوعية ستغدو مثالاً يحتذى في دول العالم المتطور كافة قريب جداً «بكره... أو بالكثير بعده».

وبالطبع، فإن هذه اللجان كلها كانت تحتاج إلى حضور دورات تدريبية داخل الكويت وخارجها، كما تحتاج أيضاً إلى مستشارين في «التطوير الإداري» أغلبهم يؤتى به من الخارج، وبالطبع، فإن أغلبية أعضاء هذه اللجان والمستشارين كلهم تقريبا هم من الجماعة نفسها أو من مناصريهم. المهم، أن لجان التطوير الإداري استمرت في تفريخ اللجان المتعددة، ونظمت الدورات التدريبية التي تقيمها مكاتب تدريب خاصة ومعروفة. ولا بأس هنا من بعض التصريحات الإعلامية عن بعض مشاكل الجهاز الإداري الحكومي، كالتشابك الإداري، وتضخم الهياكل التنظيمية، وعدم وجود بطاقات الوصف الوظيفي، وغياب نظام ترتيب وتنظيم الوظائف وغيرها من المشاكل الإدارية، ولكن من دون الخروج بحلول جذرية. فقد كنا نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً. ففي الوقت الذي كان يجري فيه الحديث عن التطوير الإداري والتدريب، كنا نرى أمامنا التردي المستمر في أداء الجهاز الإداري للدولة.

ثم فجأة يخفت الحديث عن موضة التطوير الإداري. وتبرز لنا موضة جديدة هي برنامج إعادة هيكلة الجهاز التنفيذي للدولة الذي أنشئ آنذاك كمخرج لحل مشكلة شخصية تتعلق بوكيل وزارة التجارة في ذلك الوقت عندما قرر الوزير عدم رغبته في بقائه وكيلاً للوزارة. وحتى لو افترضنا أن البرنامج قد أنشئ لحاجة الجهاز الإداري إلى إعادة الهيكلة، فالمفترض -كما يوحي مسماه- أن يستمر فترة معينة يقوم خلالها بإعادة الهيكلة ثم ينتهي كبرنامج. ولكن البرنامج لم يزال مستمراً حتى الآن لما يقارب من العشرين عاماً.

وكما هو الحال في «التطوير الإداري» فقد شُكلت اللجان واللجان الفرعية، وتعددت اللقاءات والدورات التدريبية الداخلية منها والخارجية، ثم أُدخل موضوع إعادة هيكلة العمالة الوطنية كمسمى ونشاط جديد لتبرير استمرار «البرنامج». ورغم ذلك، فإن الجهاز الإداري الحكومي لم يتطور ولم تُعَدْ هيكلته بالشكل الصحيح، بل ازداد تضخماً وتدنى مستوى أدائه، وهو الشيء الذي يلمسه كل متعامل مع هذا الجهاز.

لهذا، فإنه يحق لنا أن نتساءل بعد مضي أكثر من عقدين من الزمن، تُرى أين هو التطوير الإداري الموعود؟ وما هي نتائج برنامج إعادة الهيكلة؟! وكم هي المبالغ التي صرفت من الأموال العامة على هذه الأجهزة؟ [وبمناسبة الحديث عن التطوير الإداري، فإننا نتساءل أيضاً عن مدى صحة المعلومات المتداولة بأن أمين عام برنامج إعادة الهيكلة المنتدب انتداباً كلياً منذ أكثر من عامين للبنك الإسلامي للتنمية في جدة حيث يشغل فيه منصب الرئيس التنفيذي للمؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، لايزال يحتفظ بوظيفته أمينا عاما للبرنامج؟!] لأنه إن ثبتت صحة هذه المعلومات، فإن أي حديث مستقبلاً عن التطوير الإداري في الأجهزة الحكومية يصبح، بالفعل «كلاماً فارغاً» لا معنى له.