لاتزال النتائج السلبية المباشرة للأزمة المالية العالمية التي تفجرت منذ سبتمبر الماضي تتوالى يوما بعد آخر وعلى المستويات جميعها. وكما تبين أغلب التوقعات العلمية، فإن العام المقبل 2009 سيشهد انهيارات سريعة لبعض المؤسسات المالية والاستثمارية العالمية الضخمة وستكون هنالك تغييرات هيكلية في تركيبة عدد كبير جدا من الشركات والمؤسسات الخاصة المتبقية. ولن نغالي إن قلنا إن هذه التغييرات الهيكلية لن تسلم منها أي شركة أو مؤسسة خاصة، إن كانت تريد الاستمرار وتجاوز الأزمة المالية العالمية الحالية بأقل الأضرار.

Ad

على الضفة الأخرى، فإن الأجهزة الحكومية ستكون معرضة حتما للتأثيرات السلبية للأزمة المالية العالمية، ما يستدعي قيام الحكومات الجادة بإعادة هيكلة حقيقية لأجهزتها الإدارية حتى تتمكن من التأقلم مع الانعكاسات السلبية للأزمة العالمية. وبما أن الحكومة قد أرجأت تقديم الخطة الخمسية إلي مجلس الأمة إلى شهر فبراير المقبل من أجل أن تتاح لها الفرصة لمراجعتها وإلغاء بعض المشاريع الضخمة تمشيا مع انخفاض أسعار النفط، وفي ظل تأثيرات الأزمة المالية العالمية، فإن المطلوب ليس تخفيض تكلفة المشاريع الحكومية بإلغاء بعضها أو دمج بعضها الأخر فحسب، بل إنه من الضروري أن تواجه الحكومة هذه الأزمة بشكل شامل وجذري من خلال قيامها بالتدابير التالية:

1 - إجراء مراجعة شاملة وإعادة هيكلة تامة للأجهزة الحكومية الإدارية البيروقراطية المترهلة كافة كي تصبح قادرة على تنفيذ الخطط الحكومية المستقبلية من جهة وعلى التأقلم مع الانعكاسات السلبية للأزمة المالية العالمية من جهة أخرى.

2 - تصحيح الاختلالات الهيكلية التي يعانيها الاقتصاد الكويتي نتيجة لاعتماده على مصدر وحيد للدخل (النفط) معرض للنضوب وتعاني أسعاره حالة تذبذب دائمة نتيجة لخضوعها لآليات الأسواق العالمية التي تتحكم فيها متغيرات دولية.

3 - وضع خطط قابلة للتنفيذ لمعالجة الاختلالات الهيكلية في تركيبة العمالة من ناحية وفي التركيبة السكانية ككل من ناحية أخرى.

4 - مراجعة شاملة للمناهج الدراسية وإعادة هيكلة الجهاز التعليمي بمجملة ليكون أكثر مرونة وديناميكية حتى يستطيع خلق جيل واع وقادر علي فهم وإدراك المتغيرات الدولية السريعة والتأقلم إيجابيا معها.

5 - تحديد الدور المناسب للقطاع الخاص في المساهمة في تنفيذ خطط التنمية مع الأخذ في الاعتبار طبيعة القطاع الخاص في الكويت والانعكاسات المباشرة والقاسية للأزمة المالية العالمية عليه.

6 - وضع سياسات عملية فورية متوازنة تحافظ على المال العام من جهة وتواجه المشكلات الآنية المترتبة على الأزمة المالية العالمية مثل مشكلات البطالة، وسوق الأوراق المالية، والوضع المالي للقطاع المصرفي من جهة، والشركات والمؤسسات الاستثمارية من جهة أخرى.

7 - إعادة صياغة الخطاب الإعلامي الرسمي لكي يستطيع متابعة التأثيرات السريعة التي تحدث في العالم نتيجة للأزمة المالية حتى يكون قادرا على توعية الناس في كيفية مواجهة آثارها السلبية.

لاشك أنه من الخطأ الإفراط في المبالغة بشأن تداعيات الأزمة المالية العالمية على اقتصادنا منعاً للانعكاسات النفسية السلبية المضرة اقتصاديا، ولكن في الوقت نفسه فإنه سيكون خطأ فادحا- بل خطيئة- أن نتجاهل ما سينعكس حتما على اقتصادنا الوطني من آثار سلبية نتيجة لأزمة مالية عالمية بهذه الضخامة والقسوة... وهي للتو مازالت في بداياتها.