من بين سلبيات الانتخابات الأخيرة بروز الدور المؤثر جداً الذي لعبه المال السياسي في توجيه الأصوات في الدوائر كافة، ويتضح ذلك في حصول بعض المرشحين على تصويت مرتفع رغم حداثة عهده بالسياسة، مستنداً إلى حملاته الانتخابية الباهظة التكاليف.

Ad

أشرنا في مقالنا السابق بشكل سريع إلى المؤشرات الإيجابية التي بينتها نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت أخيراً ، وخلصنا إلى أن المطلوب هو التقاط هذه المؤشرات الإيجابية وإخضاعها للمزيد من الدراسة والبحث العلمي من أجل تدعيمها واستثمارها الاستثمار الصحيح من خلال تحويلها إلى توجهات عامة وخطط وسياسات عامة وبرامج تنموية تحقق التطلعات التي عبرت عنها الأمة من خلال صناديق الاقتراع.

في هذا المقال سنتوقف سريعاً عند بعض أبرز المؤشرات السلبية التي أوضحتها نتائج الانتخابات وتحتاج كذلك إلى المزيد من الدراسة المتأنية لمعرفة أسبابها الرئيسية وكيفية معالجتها قبل أن تتفاقم وتصبح معوقات أساسية لتطور العملية السياسية الديمقراطية، وهي باختصار:

أولاً: بروز النزعة العنصرية، وازدياد حدة الفرز الفئوي، وتعالي الدعوة العلنية للكره الاجتماعي بشكل لم يسبق له مثيل في مجتمعنا. وقد انعكس هذا بوضوح في نسبة الأصوات التي حصل عليها مرشح الدائرة الانتخابية الثالثة الذي اشتهر خلال الانتخابات بطرحه الفئوي والعنصري غير المستند إلى أي أسس علمية أو دستورية. وفي المقابل فإنه يمكن، وللأسباب نفسها أيضاً، التوقف أمام نسبة الأصوات العالية نسبياً التي حصل عليها بعض المرشحين الذين استخدموا أسلوب الطرح الفئوي نفسه للرد على هرطقات مرشح الدائرة الثالثة وغيره.

ثانياً: الدور المؤثر جداً الذي لعبه المال السياسي أو "مال الفساد والإفساد" في توجيه الأصوات الانتخابية في الدوائر كافة، وإن بدرجات متفاوتة، وهو ما توضحه نسبة الأصوات المرتفعة نسبياً التي حصل عليها بعض المرشحين الذين خرجوا للساحة السياسية فجأة ومن دون مقدمات من خلال حملات انتخابية باهظة التكاليف، إضافة إلى ما كان يتردد بقوة بين الناس عن قيام هؤلاء المرشحين وغيرهم بشراء الأصوات الانتخابية بطرق وأساليب مختلفة، وكما يقول المثل ليس هناك دخان من دون نار. علاوة على ذلك، فإن بعض أصحاب رؤوس الاموال الكبيرة ممَن يملكون وسائل إعلام مرئية ومسموعة ومقروءة كانوا يوجهون الرأي العام، دفاعاً عن مصالحهم وبشكل مكشوف، لمصلحة بعض المرشحين على حساب البعض الآخر الذي لم يكن باستطاعته الوصول لوسائل الإعلام المختلفة. وإذا ما أخذنا في الاعتبار الدور الكبير الذي تلعبه وسائل الإعلام في التأثير على توجهات الناخبين، فلنا أن نتصور طبيعة المعركة الانتخابية التي حتماً لم تكن متكافئة حيث مالت كفتها في الدوائر الانتخابية كافة لمصلحة مَن يملكون رؤوس الأموال الضخمة أو من يحظون برعايتهم!

ثالثاً: نجاح بعض المرشحين غير المعروف عنهم على الإطلاق اهتمامهم بالشأن العام أو من ذوي الثقافة السياسية الضحلة والسطحية على حساب المرشحين السياسيين المنتمين إلى قوى سياسية فاعلة في الساحة المحلية والذين يمتهنون السياسة ويمارسونها منذ مدة ليست بالقصيرة، وذلك ما نلاحظه بقوة لا سيما في الدائرتين الانتخابيتين الأولى والثانية. قد يعزى ذلك، في جانب منه على الأقل، إلى الطبيعة غير السياسية والفردية التي بدأت، للأسف، تتخذها العملية الانتخابية لدينا، وهو ما حدا بالسياسيين أنفسهم المنتمين لقوى سياسية إلى التخلي عن متطلبات المعارك السياسية الانتخابية الحقيقية التي تحتم وجود قوائم انتخابية وبرامج سياسية حيث خاضوا الانتخابات السابقة بصفتهم أفراداً لكل منهم رؤاه الخاصة رغم انتماء بعضهم إلى تنظيم سياسي واحد!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء