كل هذه المحاولات التي تُبذل من خلال ما يمكن تسميته «دبلوماسية السفن والمراكب» لفك الحصار المفروض على غزة لن تؤدي الى أي نتيجة، فهذه مجرد زوبعة في فنجان ستهدأ قريباً، ولذلك فإن الأفضل توفير الأموال، التي تصرفها «حماس» على هذه الظاهرة العبثية، لتأخذ طريقها الى بطون الأطفال الجوعى في القطاع المحاصر، وليُصرف جزءٌ منها لسد النقص في الأدوية الذي تعانيه المستشفيات والعيادات الطبية في هذه المنطقة الفلسطينية المنكوبة.

Ad

لا جدوى على الإطلاق من كل هذه المحاولات التي هدفها ليس فك الحصار من حول عنق قطاع غزة، وإنما فك الحصار عن حركة حماس والاعتراف بدولتها كأمر واقع، وهذا إن تم فعلاً فإنه سيكرس الانقسام الفلسطيني القائم سياسياً وجغرافياً وإدارياً، وسيجعل إحراز أي تقدم في عملية السلام مستحيلاً في ظل هذا الواقع الذي اسوأ ما فيه أنه يعطي مصداقية لحجج الإسرائيليين، الذين يقولون إنهم لا يجدون الجهة الفلسطينية القادرة على التوقيع معهم على صفقة الحل المنشود.

وحقيقة ان السعي إلى فك الحصار بهذه الطريقة هو مجرد ألاعيب أطفال، فإسرائيل المتحكمة في المياه الإقليمية الفلسطينية المشاطئة لقطاغ غزة لديها القدرة على اعتراض أي سفينة ومنعها من الوصول الى هدفها، إن هي أرادت ذلك، والدليل على ذلك ما انتهت إليه المحاولة البحرية الليبية، حيث اكتفت السفينة المُرسلة من طرابلس الغرب من الغنيمة بالإياب، وعادت أدراجها انصياعاً لتعليمات الزوارق الحربية الإسرائيلية.

إنه كان على «الاخوة» في «حماس» أن يراجعوا تاريخ الثورة الفلسطينية التي سبقتهم بنحو ربع قرن، فقد كان هناك دائماً وأبداً متضامنون عرب وأجانب، امتهنوا مهنة التضامن هذه من دون أن يؤثروا في توجهات الأحداث ومساراتها ولو بمقدار قيد أنملة، وكان هؤلاء الذين ثبت أنه ينطبق عليهم المثل القائل: «ثِقْلةٌ للدواب وقطيعةٌ للزَّهاب» قد تضامنوا مع عبدالناصر ومع اليمن الجنوبي عندما كان دولة يمنية أخرى، ومع العقيد معمر القذافي ومع صدام حسين وحتى مع الرئيس السوداني عمر حسن البشير، عندما كان متحالفاً مع شيخ الإسلام والمسلمين الدكتور حسن الترابي.

كل فنادق بيروت الفخمة والراقية وكل فنادق عدن وفنادق طرابلس الغرب وفنادق الجزائر وفنادق بغداد وكل فنادق دمشق والقاهرة تعرف هؤلاء الذين اكتشفوا ان في غزة فنادق أيضاً، فهؤلاء، الذين يتم شحنهم من قبرص بواسطة سفينة أغلب الظن أنها مملوكة لحركة حماس أو بواسطة سفن مُستأجرة من قبل هذه الحركة، امتهنوا هذا النضال السياحي الذي ستثبت الأيام أنه مضيعة للوقت وهدر للأموال وأنه لا يقدم ولا يؤخر.

«لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»... وعلى العرب الغيورين فعلاً على غزة وأهلها ان يبادروا، بدل هذه التظاهرات العبثية، الى بذل جهود حقيقية والضغط على الطرفين الفلسطينيين المتصارعين (حماس وفتح) لوضع حدٍّ لهذا الانقسام المزري، فمفتاح حصار غزة في أيديهم وليس في أيدي هؤلاء المتضامنين الذين تقوم السفن بشحنهم من قبرص في رحلات نضال سياحي ستثبت الأيام، كما أثبتت سابقاً وأكثر من مرة، أنه مجرد ألاعيب عاطلين عن العمل، وأنه ليس أكثر من تظاهرة عبثية.

* كاتب وسياسي أردني